كيف حال كنزنا الحيّ على الأرض؟ كيف حال الغابات؟ هل يأتي يوم لا تسمع فيه آذان البشر شدو الطيور، ورفرفة أجنحة الفراشات ورشاقة خطوات الغزلان الصغيرة، وهمس أوراق الأشجار؟ تقول الأرقام أن البشر يدمّرون قرابة 13 مليون هكتار من الغابات سنوياً، ما يعني القضاء تدريجاً على أضخم نظم البيئة تنوّعاً وأكثرها أهمية لاستمرار حياة البشر أنفسهم! ويومياً، تفقد البيئة عشرات الأنواع الحيّة التي يضبط وجودها توازن الحياة على كوكبنا. ويحمل هذا الأمر دماراً لبنك الطبيعة الذي يكتنز الغذاء والكساء والدواء. ويشير نشطاء البيئة إلى أن كل شجرة تقطع وكل نوع حيّ ينقرض، إنما يسيران بالبيئة وكائناتها كافة، خصوصاً البشر، إلى الهاوية. وتؤدي هذه الأمور أيضاً إلى تآكل التنوّع البيولوجي، وهو سلاح أساسي لاستمرار ظاهرة الحياة الأرض، ومواجهة التغيرات المناخية أيضاً. «قمة الأرض» واتفاقية ريو دي جانيرو منذ عام 1992، بعد قمة الأرض في مدينة ريودي جانيرو البرازيلية، خصّصت الأممالمتحدة 22 من أيار (مايو) ليكون «اليوم العالمي للتنوّع البيولوجي»، الذي يوافق ذكرى اكتمال الاتفاقية الدولية للتنوّع البيولوجي والموافقة على نصها، في ذلك العام. والمعلوم أن الرئيس جورج بوش (الأب) حضر قمة الأرض، وشارك في الاحتفال بهذه الاتفاقية، لكنه لم يفلح في إقناع الكونغرس الأميركي في التوقيع عليها. ويتميّز الاحتفال بيوم التنوّع البيولوجي هذا العام بأنه بداية «عقد التنوّع البيولوجي» Biodiversity Decade الذي قررته الأممالمتحدة بعد الفشل في تحقيق خطة تخفيف الخسارة في التنوّع البيولوجي حتى 2010. وكذلك يواكب هذا اليوم «عام الغابات». والمعلوم أن الغابات تحتوي قرابة خمسين في المئة من التنوّع البيولوجي على اليابسة، كما تغطي ثلث مساحتها، ويعتمد عليها 1.6 بليون إنسان في حياتهم ومعيشتهم. ولذا، ربط شعار الاحتفال لهذا العام بين التنوّع البيولوجي والغابات، عبر شعار «التنوّع البيولوجي للغابات... كنز الأرض الحي». ويتضمن الاحتفاء بهذه المناسبة نشاطات متنوّعة مثل الإعلان عن جائزة «أبطال الغابات» Forests Heroes التي تمنح لأفضل المشاريع والجهود في حماية الغابات وتنوّعها البيولوجي. ويقدم الجائزة «منتدى الأممالمتحدة للغابات» بالمشاركة مع اتفاقية التنوّع البيولوجي ومنظمات دولية أخرى. كما تطرح الأممالمتحدة نموذجاً عملياً استرشادياً لغابة نموذجية، بهدف مساعدة الدول على تقليدها في عملية نشر الغابات وتجديدها بطريقة تتناسب مع معطيات البيئة. ومن الموضوعات التي تحظى باهتمام عالمي حاضراً، مسألة صون الموارد الجينية Genetic Resources والسلامة البيولوجية Bio Safety. وينبع الاهتمام بهذين الموضوعين من تزايد التجارة العالمية في الكائنات المُعدّلة وراثياً، مع ما يرافقها من مخاطر أثناء تداول تلك الكائنات ونقلها. وتُشدّد الأمم على ضرورة اهتمام الدول، خصوصاً في العالم الثالث، بمسألة بنوك الجينات Genetic Banks وبناء القدرات والتشريعات المتخصصة في هذا المجال. ويشار إلى أن الاجتماع العاشر ل «أطراف الاتفاقية الدولية للتنوّع البيولوجي» الذي عقد في ناغويا باليابان أخيراً، توصّل الى إقرار بروتوكول أُلحِق بالاتفاقية في شأن الحصول على الموارد الجينية، والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدامها. وباختصار، يهدف البروتوكول لدعم التنوّع البيولوجي وربطه بأهداف التنمية المستدامة. في السياق عينه، فرض البعد الاقتصادي لخدمات الطبيعة نفسه أخيراً على قضية الغابات والتنوّع البيولوجي. إذ أكّد التقرير النهائي لاجتماع ناغويا أيضاً على ضرورة حساب الخسائر الاقتصادية جراء سلوكيات لا تحرص على استدامة موارد البيئة، مثل الاحتطاب الفائض والصيد الجائر وغيرهما. ويحضر هذا الموضوع في جدول أعمال «المنتدى الأميركي الاقتصادي الدولي» الذي يعقد في مونتريال في كندا في السادس من حزيران (يونيو) المقبل، بحضور دول الأميركيتين الشمالية والجنوبية. وتنظم سكرتارية «اتفاقية التنوّع البيولوجي» بالتعاون مع المنتدى حدثين مهمين. يتمثّل الأول في ورشة عمل عن الاستثمار في خدمات النظم البيئية في الغابات، فيما يشمل الثاني مائدة مستديرة لنقاش موضوع «التنوّع البيولوجي: الكربون والماء»، إضافة إلى الاستثمار في نظم المياه في الغابات.