لماذا يطارد شغف المغامرة الشباب كلعنة مؤلمة؟ ليست المغامرة نزهة، ولا مقامرة بالحياة. لا تتضمن قواعد هذه اللعبة الفوز، إذ لا يعود الخاسر إلى منزله. يدخل الخاسرون مملكة النسيان، باستثناء ذاكرة محبيهم التي تبكيهم دوماً. من يُحصي قتلى شغف المغامرة وممارسة الألعاب الخطرة، والقفز فوق جدار الحياة في رهان على عودة غير مضمونة؟ من يوجه؟ من يحلّل؟ من يتحمل النتائج؟ بلغة الأرقام، بلغ عدد ضحايا النشاطات الخطرة في لبنان 7066 شخصاً بين قتيل وجريح، تتراوح أعمار غالبيتهم بين 15 و30 سنة. ندوة عن شغف قاتل استرعت هذه الأرقام المخيفة نظر «الشبكة الفرنكوفونية الدولية لتعزيز السلامة والوقاية من الصدمات» أخيراً، فاختارت لبنان، وتحديداً «جامعة القديس يوسف»، مقراً ل «الندوة التاسعة للحد من مخاطر الصدمات»، التي حملت عنوان «الشباب وحب المجازفة: أي ثمن؟». شملت محاور الندوة مواضيع السلامة على الطرق، السلامة أثناء ممارسة النشاطات الرياضية والترفيهية واستخدام التكنولوجيا الجديدة في الاتصالات، والعنف الذاتي، والعنف الذي يمارسه الشباب بعضهم ضد بعض، وغيرها. سعت «الجمعية الفرنكوفونية» من هذه الندوة للتوجّه إلى شباب لبنان، بهدف توعيتهم إلى ضرورة العمل على تقليص النشاطات المحفوفة بالخطر والتخفيف من الصدمات الناتجة منها، والترويج لإجراءات السلامة الفردية والجماعية. امتدت محاضرات الندوة ثلاثة أيام، عرف خلالها المشاركون أسباب ميل الشباب الى هذا النوع من الأخطار، وكيفية اتباع طُرُق بسيطة تكفل تقليص الإصابات. وتناول محلّلون نفسيون وأكاديميون وأطباء وجمعيات أهلية مفهوم شغف المخاطرة عند الأجيال الشابة، من زوايا متنوّعة. أعين الشباب لا ترى المخاطرة سوى بطاقة هوية للعبور إلى الشهرة. المفارقة ان حب الحياة يدفعهم لإبراز ما يعتبرونه شجاعة وقوة، غير آبهين بالمخاطر. إنها لغة لا تعرف سوى التحدي. رأى الخبراء المشاركون في الندوة ان المخاطرة اسلوب يتبعه الشباب لتحقيق الذات وبنائها. واستطراداً، ناقشوا طُرُقاً لحماية الشباب مع احترام هذا العنفوان المتّصل بتحقيق الذات. تناول المعالجون النفسيون الآثار السلبية الناتجة من تعرض ممارسي الألعاب الخطرة لإصابات مزمنة ترافقهم طوال حياتهم، مشيرين إلى وقوعهم أسرى العزلة الاجتماعية، مع ارتفاع نسبة الانتحار بينهم بسبب اليأس الذي يرافق هذه الأحوال. في السياق عينه، شدّد أكاديميون على ضرورة ادخال مفهوم الوقاية في التربية والتعليم خطوةً أولى في مكافحة هذه الظاهرة. وتَوافَقَ المشاركون على الحاجة إلى إستراتيجية شاملة تشارك فيها الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، لنشر ثقافة الوقاية، مثل وضع حزام الامان او الخوذة الواقية، او الامتناع عن قيادة المركبات الآلية في حال الإفراط في تناول الكحول، واحترام الاشارات الضوئية على الطرقات وغيرها. كما طالبت الندوة بمشاركة الإعلام في حملات توعية تتوجه إلى طلاب المدارس والجامعات. ونبّهت الندوة أيضاً إلى ضرورة تبادل المعارف بين الخبراء حول هذه الظاهرة، وإعداد مراجع لممارسات الجيدة في الوقاية من الحوادث المتصلة بممارسات النشاطات الخطرة.