الأحد 7/6/2009: انتخابات من المؤكد أن منظّري الديموقراطية، منذ اليونان القديمة، لم يحسبوا أن يوماً سيأتي (على أرض اسمها لبنان) تكون فيه الديموقراطية سبيلاً الى الانقسام (الطائفي)، أي اللاديموقراطية. هذا بلد العجائب، ويحسدني صديقي المصري على انتخابات يراها حقيقية في لبنان، رداً على حسدي إياه مراراً على وحدة المجتمع المصري واستقراره أياً كانت الأزمات. هذا بلد العجائب، وصديقي اللبناني اقتطع أربع ساعات ، في ذروة انشغاله، ليذهب الى قريته وينتخب بهدف وحيد: أن يحذف اسم زعيم الطائفة وينقص أرقام نجاحه رقماً واحداً على الأقل. ولطالما اعتبر الزعيم تحدياً لذكائه ولآدميته، بل اعتبره أحياناً وثناً والاحتشاد الأعمى حوله شركاً بالله: «لا تعبدوا ربين، الله والمال»، ومع بعض التحوير: «لا تعبدوا ربين، الله والزعيم». هذا بلد العجائب، وانتخاباته أيضاً عجيبة، فلا منتصر ولا منهزم والكل راض بحصته من مناطق الوطن وسكانها. الإثنين 8/6/2009: عبدالعزيز خوجة بين قلة من المسؤولين العرب يفتح وزير الثقافة والإعلام السعودي صفحة على الفيس بوك، للتواصل مع الذين يريدون مناقشة أداء وزارته أو اقتراح جديد بنّاء في مجالات هذه الوزارة، والاسم المسجل للوزير هو AZIZ KHOJA. بل ان الوزير سمح لجريدة «الوطن» السعودية بنشر بريده الإلكتروني في عددها اليوم لمزيد من التواصل، والبريد هو [email protected]. هذا الانفتاح منتهى الواقعية، فلم يعد ممكناً، ولا جائزاً بالتالي، الفصل بين المسؤول وقطاعات الشعب الذين يعنيهم موقعه الحكومي، لأن الانفتاح يعني شفافية الأداء، ويؤدي الى تفاعل يطور الأداء ويكسر الفواصل المصطنعة بين المسؤول والمواطن، فيبدو هذا الأخير كأنه يشارك في المسؤولية، وينفض عن نفسه غبار تلك الخصومة التي طال الحديث عنها بين الحاكم والمحكوم، وعطلت الكثير من إنجازات مجتمعاتنا العربية. الثلثاء 9/6/2009: باريس والقاهرة متحف «متروبوليتان» في نيويورك يبدأ اليوم عرض صور من القرن التاسع عشر للمشهد العمراني الحديث لباريس الذي خططه جورج أوجين هوسمان، المعروف باسم «البارون هوسمان»، وتميز هذا المشهد بنقطة تتفرع منها شوارع في شكل نجمة، وسمح بتشييد البنايات العالية، خصوصاً في مركز المدينة. تمنيت أن تشارك مصر في المعرض، فتقدم صوراً تملكها مكتبة الاسكندرية، للقاهرة الأوروبية التي ساهم هوسمان نفسه في تخطيطها، فيرى المشاهد النيويوركي تلك الولادة المتشابهة للعمران الحديث في عاصمتي فرنسا ومصر، أيام نابليون الثالث والخديوي إسماعيل. والفارق بين الحاكمين أن الفرنسي سمح بتدمير معظم الأحياء القديمة (ودمرت كومونة باريس لاحقاً ما لم يدمره نابليون الثالث)، فيما أبقى إسماعيل على القاهرة الفاطمية فصارت العاصمة المصرية متحفاً لهندسات – متلاحقة ومتنوعة. وقد يكون معرض «متروبوليتان» مناسبة لتأسيس هيئة عالمية تتولى صيانة الأبنية المتهالكة في القاهرة الأوروبية، ليبقى شيء من الوصل القديم ولا نستسلم الى الانقطاع بين شمال البحر المتوسط وجنوبه. الأربعاء 10/6/2009: لغتنا يناقش في تونس ابتداء من اليوم خبراء عرب ما يسمونه «معضلة تدني تعليم اللغة العربية» سعياً منهم الى المساهمة في «خطط عربية مشتركة للنهوض بلغة الضاد»، وذلك بدعوة من «المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم» (الكسو). كانت مجلة «الهلال» المصرية نشرت استطلاعاً في عشرينات القرن العشرين عن الطرائق الممكنة للنهوض باللغة العربية، وممن كتبوا رأيهم آنذاك جبران خليل جبران الذي أرسل من نيويورك مقالاً ركز فيه على العلاقة بين نهضة اللغة والإبداع المكتوب بهذه اللغة. ويمكن أن نضيف اليوم، الى جانب الإبداع، مدى الحاجة الى اللغة العربية كمصدر للمعارف الحديثة، وعدا ذلك تبقى الاقتراحات مجرد تقنيات لتعليم النحو والصرف والبلاغة والبديع وما إلى ذلك. الخميس 11/6/2009: هذا الفراغ ملء الفراغ في الحياة اليومية أصبح مشكلة، مع انهيار قيم وبطء تبلور قيم بديلة. ولملء هذا الفراغ نحتاج الى ابتكارات لتوسيع سوق العمل والى أساطير تملأ وقتنا ووجداننا. وتأتي الأعمال التطوعية والفنون على أنواعها، في مقدم ما يملأ الوقت بأحاسيس إنسانية ويبعدنا عن اليأس والتعصب والعنف الأعمى. ومن الابتكارات اللافتة سهرة هذه الليلة في ساحة الكونكورد في باريس التي احتلها آلاف الأشخاص مرتدين الملابس البيضاء في عشاء كبير وسط الشارع، وهو حدث سنوي يبقى مكانه سرياً حتى اللحظة الأخيرة. ووصل نحو خمسة آلاف مدعو بالتزامن (بحسب وكالة الصحافة الفرنسية)، ونصبوا الطاولات ورتبوا الكراسي على جوانب ساحة كونكورد عند أسفل جادة الشانزليزيه. وفي غضون دقائق جلس المدعوون وراحوا يتذوقون الأطباق المحضرة ويحتسون الشراب تحت أنظار رجال الشرطة. قال نيكولا غودار أحد المشاركين في العشاء: «نقوم بذلك للتسلية، في حزيران (يونيو) دائماً، لكن ليس في التاريخ ذاته بل في يوم خميس بالتأكيد». مشدداً على أن المشاركين يبلّغون بالمكان عبر رسائل هاتفية قصيرة. وقالت إيلين التي رفضت الكشف عن اسمها كاملاً: «إنه حدث أنيق لنختبر مجدداً نمط العيش على الطريقة الفرنسية». وأوضحت الشابة التي تشارك في الحدث منذ «عشر سنوات تقريباً»: المشاركون يعرفون التاريخ ولكن ليس المكان انها طريقة هرمية لتوفير المعلومات. وتقول إن التنظيم «صارم جداً كما في الجيش. لدينا أكياس قمامة نفرغ فيها كل شيء وعند منتصف الليل نترك المكان نظيفاً كأن شيئاً لم يحصل». هذا الفراغ في حياة ما بعد الحداثة، حياة العقد الأول من القرن 21، على الأقل، تحاول ملأه النزعات الدينية السياسية، في اتجاه التميز والانفصال عن الآخر أو محاربته. هذا ما نلاحظه، خصوصاً في آسيا وأفريقيا. وأسطورة تسييس الدين هي ما يملأ عالمنا صخباً وعنفاً، ولا أحد يواجه هذه الأسطورة ونارها المقدسة. لا الدولة ذات القانون الواحد لأنها شاخت وصار قانونها مرناً على قياس أصحاب القوة والمال أو المقربين أو منسقي الفساد، ولا المعارضة تستطيع بدورها مواجهة تسييس الدين لأنها، هي أيضاً، شاخت، بالتوازي مع حكام تعارضهم على ملعب واحد مشترك. هذا الفراغ في حياتنا اليومية يملأه التسييس الديني بحكايات الماضي يسقطها على الحاضر، ويتم تلزيم تراث بأكمله الى زعيم أو مجموعة زعماء يقودون الناس بدافع مقدس، وحين تتعارض آراؤهم تجاه قضايا أساسية أو هامشية أو شكلية أو طقسية، يتحقق الخلاف المقدس، أي حروب الأخوة الأكثر قسوة في أي زمان ومكان. حدثني طالب أنه في السنة الأولى من دراسته في جامعة أميركية، انتسب الى جمعية للطلاب المسلمين فاكتشف بعد اجتماعات عدة أنهم يمضون أوقات الفراغ في قراءة أدبيات كراهية أميركا بالمطلق ولا يهتمون بالتعرف الى زملائهم الأميركيين أو الآتين من بلاد غير إسلامية، وفي اجتماعاتهم يتقصدون العزلة عن الآخرين كطريقة وحيدة لحفظ الذات. ورآهم الطالب في عزلتهم الاختيارية أشبه بجمعية سرية في القرون الوسطى، لذلك تركهم وانضم الى «جمعية الفيزياء» التي تضم أعضاء متنوعي الأصول والانتماءات،وتجتمع دورياً للاطلاع على الجديد في هذا العلم، وتنظم رحلات الى معالم اجتماعية وعمرانية في الولاياتالمتحدة، كما تستضيف علماء ومثقفين لبحث ومناقشة شؤون تهم الناس على اختلاف انتماءاتهم الإتنية والدينية. هذا الفراغ في حياتنا اليومية. إنه الحليف الرئيس للإرهاب وللاتجاهات العنصرية القاتلة. هذا الفراغ ينجح المتطرفون في ملئه، أكثر من الفنانين والمتطوعين لخدمة الناس.