لو عشت عمر لبد، نسر لقمان المشهور، أي ألف سنة، لربما سمعت عربياً في مؤتمر، أو في اتصال مع برنامج تلفزيوني، يسأل سؤالاً، وينتظر الجواب عنه. العربي لا يسأل، وإنما يقدم «مداخلة»، وهو عادة يدخل ولا يعرف كيف يطلع، فما يهمه هو أن يبدي رأيه لا أن يسمع رأياً آخر، ناهيك عن أن يقبله، حتى انني بت أعتقد ان كل مشارك في ثورة غضب عربية في هذا البلد أو ذاك لم يثر طلباً لحرية الرأي، وإنما طلباً لحرية رأيه وحده. عادت إليّ «المداخلات» العربية التي لا مخارج لها، وأنا أحضر منتدى الإعلام العربي العاشر الذي نظمه نادي دبي للصحافة برعاية الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس دولة الإمارات، ورئيس وزرائها وحاكم دبي. أشارك في منتدى الإعلام منذ دورته الأولى، وأجد أن كل مؤتمر أفضل من سابقه، ولو بحكم تراكم التجربة والخبرة، وأعترف بأنني بعد أن تركت أختنا منى المرّي ادارة نادي دبي للصحافة خشيت أن يتراجع عمله، إلا ان اختنا الشابة مريم بنت فهد أثبتت عبر سنوات عملها مديرة تنفيذية للنادي انها قادرة وأهل لتحمل المسؤولية. ولا بد ان رعاية الشيخ محمد تلعب دورها في إنجاح العمل. كان هناك متطوعون ومتطوعات كثيرون من الجامعات المحلية، وسألت مريم عن العدد فقالت: حوالى أربعين، وشعرت بأن هناك 400 منهم ومنهن. وكالعادة في كل مؤتمر مماثل، فالجلسات مع الزملاء والأصدقاء والمثقفين والمفكرين من كل بلد بين الجلسات الرسمية تكاد تكون في أهمية الحوار والدراسات المعدة سلفاً. وجدت من الأصدقاء والزملاء المصريين ما يغني عن زيارة لمصر، وكان وزير الثقافة المصري الدكتور عماد أبو غازي ألقى كلمة الافتتاح نيابة عن الدكتور عصام شرف، رئيس وزراء مصر، وجلست مع الاخوان عبدالعظيم حماد ومحمد بركة ومجدي الجلاد وأحمد المسلماني ومحمد المصري الذي فاز بجائزة الصحافة السياسية لجريدته «الأهرام». ودخلت في حوارات مع الصديق فهمي هويدي، واحترت معه هل أنا الى يساره أو هو الى يساري. و «استجوبت» الصديق نادر جوهر الذي يرأس شركة القاهرة الإخبارية وجريدة «المراقب» الإلكترونية، فهو جزء من ثورة الشباب وأخبارها عنده. أما الدكتور محيي الدين عميمور فقد أهداني كتابه «أربعة أيام صححت تاريخ العرب»، وستكون لي عودة الى الكتاب ومؤلفه. وكنت لاحظت ان الأخ عبدالعظيم حماد، رئيس تحرير «الأهرام»، اختفى عنا بعد اليوم الأول، وسألت الإخوان هل هو يبحث عن تظاهرة مليونية يشارك بها، إلا أنهم أكدوا لي أنه شعر بألم في عينيه وذهب لفحص طبي. في المقابل، بعض الزملاء اللبنانيين، ومنهم من جاء معي في الطائرة نفسها من لندن، «غادر ولم يعد»، كما كان يقول تقرير الشرطة اللبنانية، ولم أرَ واحداً أو اثنين خلال يومي المؤتمر. إلا أن الزميل والصديق طلال سلمان لم يكن من هؤلاء، فقد كان منتظماً في حضوره ومشاركته، وإن كان لي من شكوى فهي اننا كنا ننتهي في بار الفندق، وليس في الأمر خمر أو أي منكر آخر، وإنما ان الإخوان جميعاًَ من المدخنين، والتدخين يسمح به فقط في بار الفندق، فكنا ننتحي ركناً قصيّاً، وأجلس بين أربعة زملاء أو خمسة والكل يدخن، وأنا أشعر كأنني في فرن. معلهش، هناك من وما يعوض، وكانت هناك جلسات كثيرة، إلا أنني اخترت منها ما يفيدني في عملي، وسررت كثيراً أن ارى صديقة عزيزة هي الدكتورة رفيعة غباش، الرئيسة السابقة لجامعة الخليج، في جلسة اعلام المنوعات والخطوط الحمر. الدكتورة رفيعة حذرت من الخلط بين الحرية والتحرر من التقاليد والعادات بحجة الحرية. إلا أنني كنت أفكر في تلك الخطوط الحمر، مَن رَسمها، ومَن فَرضها أو حاول، ومن يقرر الخطأ أو الصواب. وقناعتي ان الخطوط لا يمكن أن تكون واحدة فهي تختلف من بلد الى بلد، والممكن أو المقبول في لبنان قد لا يكون مقبولاً في بلد محافظ. وطبعاً أستثني خطاً أحمر في شفتين مكتنزتين. الدورة العاشرة لمنتدى الإعلام العربي كان ختامها مسكاً، فقد فاز بجائزة أفضل عمود صحافي الكاتب والصحافي السعودي الكبير تركي السديري، كما فاز الأستاذ ناصر العثمان، عميد الصحافة القطرية، بجائزة شخصية العام الإعلامية، وكلاهما يستحق، والجوائز تُكرَّم بهما. أخيراً كان هناك ألف حسناء، وحسن مذيعات التلفزيون لا يحتاج الى شهادتي، ولو سجلت أسماء لاحتجت الى الصفحة كلها وبقيت مقصراً، إلا ان الحسن لم يقتصر عليهن، وخفت أن أكون أصبحت اعتبر كل شابة تصافحني أو تطلب صورة لها معي حسناء، وعلى طريقة «ما تدقّش يا بيه» إلا ان الزملاء أكدوا لي أن شعوري في محله وهو شعور فيّاض. [email protected]