دبي ملأى بالزوار، كما عرفتها قبل الأزمة المالية العالمية التي أصابت دبي مع من وما أصابت، وسمعت الشيخ محمد بن راشد يقول في حديث مع مجموعة من المشاركين في أعمال منتدى الإعلام العربي وجائزة الصحافة العربية أن البنى التحتية في الإمارة متينة لم تتأثر بالأزمة، وتصلح قاعدة لانطلاقة اقتصادية برؤية جديدة وأفكار، ثم تجولت في أسواق العاصمة وزرت بعض فنادقها ورأيت ذلك الزحام الهائل الذي شهدته في سنوات سابقة، وغاب بين بدء الأزمة سنة 2007 وحتى العام الماضي. كانت جائزة الصحافة العربية هي التاسعة، وقد شاركتُ في الانطلاق وحضرت كل احتفال لاحق، وإن شاء الله نحضر الاحتفال العاشر السنة المقبلة. وتحدثت الأخت الشابة مريم بن فهد في افتتاح مؤتمر الجائزة، وعكس صوتها ثقة في النفس مع إلقاء سليم. وقد شهدت عبر السنوات الأخيرة بروز جيل شاب في دبي نال أعلى درجات التعليم، وتزامنت الجائزة مع حفلة تخريج 500 طالب وطالبة من الجامعة الأميركية في دبي، ما كان يعتبر حلماً في السبعينات. مفاجأة الموسم، لي شخصياً، كانت الدكتور أحمد زويل الذي سمعت اسمه أول مرة عندما فاز بجائزة نوبل في الكيمياء سنة 1999، وتابعت نشاطه العلمي منذ ذلك الحين، ثم جمعتنا دبي ثلاثة أيام، واكتشفت أنه رجل متعدد المواهب، وله اهتمامات سياسية ويتابع الصحافة العربية، خصوصاً المصرية، كأنه من العاملين فيها. بعض الحلقات الخاصة في المؤتمرات أكثر فائدة وإثارة من جلسات الحوار في البرنامج الرسمي، وجمعني مع الدكتور زويل عشاء انتهى فيما استمر الحوار ساعات بعده. كان معنا من الأخوة إبراهيم المعلم، رئيس مجلس إدارة دار «الشروق»، وأحمد المسلماني، مقدم برنامج «الطبعة الأولى» في قناة «دريم»، وأختنا مريم بن فهد، والمذيعة الذكية الحسناء وسيلة عولمي من قناة «الجزيرة»، وانضم إلينا في وقت لاحق عمرو أديب، نجم شبكة «أوربت» وآخرون. واكتشفت المواهب الإضافية للدكتور زويل وهو يراجع ما يكتب المعلقون الصحافيون المصريون بالنقد والتحليل، ويناقشني في بعض تعليقاتي المنشورة، وقلت له إنه في الخارج منذ 40 سنة فكيف يتابع هذه الأمور، إلا أنه بدا وكأنه ترك جزءاً من نفسه في مصر. في اليوم التالي ألقى الدكتور زويل في افتتاح فعاليات الجائزة كلمة تعكس قيمته الفكرية نالت تغطية واسعة في الصحف العربية فأكتفي بما يهمني شخصياً من حديثه عن قيام الحضارات (والإمبراطوريات) ببطء وسقوطها بسرعة، كما رأينا في الاتحاد السوفياتي، وعن أهمية تحويل المعلومة الى معرفة، فالإنسان يستطيع الحصول على المعلومة لكن قد لا يستطيع بناء فكر جديد، وهو كلام ذكّرني بقول قديم: «المعرفة اكتساب والحكمة استنساب». كيف نبني فكراً جديداً والدكتور زويل يقول إن حصة العرب من البحث العلمي العالمي عُشْر واحد في المئة. تعلمت من كلمته على الأقل معنى الخلايا الجذعية، وهو قال إن العلم أصبح يستطيع أن يحدد واحداً من مليون على بليون من الثانية، أو ما يسمى «نانو ثانية»، وهذا في تقديري الوقت بين تغيير ضوء المرور من أحمر الى أخضر والسائق خلفك يطلق زمور سيارته احتجاجاً على بطئك. الدكتور زويل قال أيضاً إن الوضع السياسي «لازم يتغير» إلا أنه لم يقل أين، وأطالب نيابة عنه بتغييره في كل بلد عربي، لبناء مجتمع معرفة وديموقراطية ممارسة لا كلام خالٍ من أي محتوى حقيقي. مع اختتام أعمال جائزة الصحافة العربية كانت لنا جلسة أخرى بعد العشاء مع الدكتور زويل وحديث مُستأنف عن أوضاع الأمة، وآمالها وآلامها، والعلاقات مع دول الجوار والعالم الخارجي كله. وكنت أنظر حولي وأعجب بمستوى المعرفة بين الأخوان وجدية الحوار وحرارة الرغبة في تحقيق الطموحات، ثم أفكر كيف اننا أفضل أفراداً منا كمجموع. أقول ختاماً إن دبي عائدة، إن لم تكن عادت فعلاً، وقد تجولت فيها ذات مساء مع الصديق رياض كمال، فلم نجد مكاناً لإيقاف السيارة في «مول دبي» وهو الأكبر في العالم. وتناولنا العشاء في مطعم تفصله عن «برج خليفة» بحيرة ينطلق منها عرض مائي جميل مع موسيقى وأنوار ذكّرني بعرض مماثل في فندق بالاجيو في لاس فيغاس. قلت لرياض إنني أشعر بأن أسوأ مراحل الأزمة المالية انتهى، هو أكد لي ذلك فهو يتحدث عما يعرف لأن شركته المحلية بنت مع شركتين كورية جنوبية ودنماركية البرج الهائل، أو أطول مبنى في العالم، وكانت الشركة الإماراتية هي قائدة المشروع، لا أي شركة أجنبية. ثمة قدرات عربية هائلة تحتاج الى المناخ الصالح لتنطلق، غير إنني أكتفي من حديث الجد بما سبق لأكمل غداً ببعض الهذر مع الأصدقاء وعنهم. [email protected]