صدر في القاهرة عن مكتبة الآداب كتاب مهم في بابه هو «معجم أعلام عصر الحروب الصليبية في الشرق والغرب» للدكتور محمد مؤنس عوض؛ الأستاذ في جامعتي عين شمس والشارقة. والكتاب هو العمل العربي الأول الذي صدر في هذا الباب- الإنتاج المعجمي لعصر الحروب الصليبية- وتعود أهميته إلى أنه وبحق يعد نافذة للمتخصصين للتعرف الأولي إلى أعلام هذا العصر، والأكثر أهمية أنه يقدم لهم بيبلوغرافيا ضافية لمن يريد الاستزادة منهم عن هؤلاء الأعلام. وقدّم للمعجم الدكتور إسحق عبيد؛ أستاذ تاريخ العصور الوسطى في جامعة عين شمس بقوله إنه إضافة علمية بارزة للمكتبة العربية تخدم المتخصصين والقارئ العام، خصوصاً أنه لا نظير له في اللغة العربية، وقد بذل فيه المؤلف جهداً فائقاً يحسب له. في المقدمة نبّه المؤلف إلى أن هذا العمل كان من الواجب أن يقوم به فريق؛ لكن نظراً إلى أن الظروف لم تتهيأ لتكوُّن هذا الفريق وتمويله فقد نهض به وحده. وقسّم عوض الكتاب إلى أقسام ستة: القسم الأول خصص لأعلام المسلمين، وتيسيراً على القارئ وزّعها على سبعة أقسام بدأها بأعلام الحرب والسياسة. وبلغ عدد من ترجم لهم في هذا القسم اثنين وتسعين علماً منهم الخلفاء مثل الخليفة الفاطمي الحاكم بأمرالله الذي تدهورت في عهده أمور الدولة الفاطمية لدرجة تجرؤ الملك الصليبي بلدوين الأول على غزو مصر من الشرق. ومنهم أسد الدين شيركوه؛ بطل حرب الصحراء الذي جاء إلى مصر في ثلاث حملات أسفرت عن انتصار الجانب الإسلامي السني على الجانب الصليبي في الاستيلاء على تركة الرجل المريض في ذلك الوقت؛ أي الدولة الفاطمية. ومنهم صلاح الدين الأيوبي؛ وراشد الدين سنان؛ زعيم طائفة الإسماعيلية الذي لعب أدواراً متعددة غلبت عليها الأعمال الدموية والاغتيالات. كما ترجم لثلاثة وسبعين مؤرخاً كان لهم الدور الأكبر في حفظ تاريخ هذه الفترة، منهم ابن الأثير الجزري الذي ترك عدداً من الكتب المرتبطة بعلم التاريخ منها: «الباهر في الدولة الأتابكية»، و «الكامل في التاريخ»؛ وكان ذا موقف سلبي من صلاح الدين بسبب قضائه على دولة الأتابكة ودمجها في دولة الأيوبيين. والقاضي شمس الدين بن خلكان صاحب كتاب «وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان» الذي ترجم فيه لثمانمئة من الأعلام؛ منهم عدد كبير ينتمي إلى عصر الحروب الصليبية. ومنهم مؤرخو البلاط مثل العماد الأصفهاني؛ كاتب نور الدين محمود وبعده خدم صلاح الدين وكتب عدداً من المؤرخات من أهمها «الفتح القسي في الفتح القدسي»؛ الذي غلب عليه أسلوب السجع الذي قلل من أهميته التاريخية؛ لكنه حفظ فيه كثيراً من المفردات العربية التي كان يمكن أن تندثر في ظل انشغال المسلمين بالحرب والجهاد لطرد الصليبيين المحتلين. كما لم يغفل المؤلف الجغرافيين والرحّالة الذين تجوّلوا في بقاع مناطق الصراع الإسلامي الصليبي وتركوا لنا وصفاً بالغ الأهمية لتلك المناطق، ومِن هؤلاء الجغرافيين الإدريسي صاحب كتاب «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق»؛ وابن جبير صاحب الرحلة الشهيرة التي قدم فيها وصفاً رائعاً لأوضاع المسلمين في ظل الصليبيين. كما أفسح مؤلف المعجم لأطباء هذا العصر مساحة مهمة؛ فقد ترجم لثلاثين منهم؛ ما ينم عن وعي بأهمية دورهم في ظل حرب مشتعلة كثيرة الجراح والإصابات المختلفة ناهيك بما يتخلف عن المعارك من أوبئة. ومن هؤلاء الأطباء: مهذب الدين الدخوار مؤسس المدرسة الدخوارية وهي أول مدرسة طبية متخصصة في الإسلام ظلت تعمل لقرون عدة بعد تصفية العدوان الصليبي. ومنهم ابن النفيس القرشي الذي ترك عدداً كبيراً من المؤلفات الطبية وخدم في البيمارستان النوري في دمشق ورأس بيمارستان قلاوون في القاهرة. وكتب المؤلف عن عدد كبير من الفقهاء والمتصوفة الذين شاركوا بفعالية في مقاومة الغزو الصليبي ودعم حركة طردهم من الأرض الإسلامية، ومنهم العز بن عبدالسلام الذي وقف بقوة للملك الصالح إسماعيل صاحب دمشق بسبب تركه حصنَي الشقيف وصفد للصليبيين وأسقط اسمه من الخطب؛ وهذا تصرف بالغ الخطورة أفضى به للخروج إلى مصر وتولي قضاء البلاد، حيث أصدر فتوى زلزلت المنظومة العسكرية وهي فتوى بيع المماليك. وكان للشعراء نصيب لا بأس به من المعجم حيث ترجم لتسعة وعشرين، منهم من دعم الجهاد ومنهم من عوّقه مثل عمارة اليمني الشاعر الذي حزن لزوال دولة الفاطميين بسبب كثرة عطائهم له، فحاربه بقلمه وسيفه حتى أعدمه صلاح الدين. ومنهم الشاعر بن عنين الذي هجا صلاح الدين فنفاه إلى الهند وبقي فيها حتى سمح له الملك العادل بالعودة بعد وفاة صلاح الدين بمدة. كما ترجم لابن منير الطرابلسي الذي عرف عنه قصائد مطولة مدح فيها إثنين من أعلام الجهاد الإسلامي وهما عماد الدين زنكي ونور الدين محمود. ولم يغفل مؤنس العامة والمهمشين لكنه لم يترجم إلا لخمسة منهم وسبب ذلك ندرة الإشارات إليهم في المصادر منهم عيسى العوام. خصص المؤلف القسم الثاني لأعلام الصليبيين، وترجم فيه لمئتين وسبعة عشر علماً؛ منهم أعلام السياسة والحرب مثل ملوك بيت المقدس بدءاً من جود فري أوف بويون الذي لم يلقب بالملك ثم أخيه بلدوين. كما ترجم لملوك أوروبا الذين شاركوا بأنفسهم في الحرب الصليبية مثل ريتشارد قلب الأسد ملك إنكلترا وفيليب أوغسطس اللذين شاركا في الحملة الصليبية الثالثة وإدوارد الأول ملك إنكلترا الذي شارك بحملة صغيرة قبل ولايته الملك وألفونسو هنريكس الأول ملك البرتغال الذي استولى على لشبونة من يد المسلمين عام 1147م، وأنريكو دندولو؛ دوق البندقية الذي أعاد توجيه الحملة الصليبية الرابعة لتتحول من مصر إلى القسطنطينية لتحدث فيها مذبحة مريعة وتكشف زيف ادعاءات نبالة الحرب الصليبية وتؤكد للمجتمع الأوروبي قبل العالم أجمع أن المصطلح استخدم لخدمة أغراض البابوية الرومانية وليس لخدمة المسيحية. وخصص القسم الثالث للأعلام البيزنطيين من ساسة ومحاربين ورجال دين، لكن عددهم كان أقل بكثير من المسلمين والصليبيين إذ لم يزد على ثلاثة وثلاثين علماً. ومرجع ذلك إلى أن بيزنطة لم تقف من الحرب الصليبية موقف الدعم على طول الخط بل تشككت في نواياها منذ اللحظة الأولى. كما أفرد القسم الرابع للمسيحيين الشرقيين لكن عددهم لم يزد على الواحد والعشرين علماً، وخصص القسم الخامس لليهود الذين لعبوا دوراً في شكل أو آخر في تلك الحرب العالمية في العصور الوسطى لكن لم يزد عددهم عن سبعة عشر علماً من الرحالة والأطباء. واختتم المؤلف الكتاب بالقسم السادس، وخصصه لأعلام النساء فترجم لعدد كبير منهنّ بلغ إحدى وأربعين امرأة قمن بأدوار مختلفة. منهنّ المسلمات مثل ست الشام أخت صلاح الدين التي بنت المدرسة الشامية الجوانية والمدرسة الشامية البرانية في دمشق كما اهتمت بالمتصوّفة وأوقفت كثيراً من الأوقاف لرعايتهم والإنفاق عليهم، وربيعة خاتون أخت صلاح الدين التي بنت المدرسة الصحابية ووقفت عليها كثيراً من الأوقاف، وزهرة خاتون ابنة الملك العادل سيف الدين أبي بكر التي بنت المدرسة العادلية الصغرى في دمشق. ومن نساء الصليبيين اللائي ترجم لهنّ ميلسندا ملكة بيت المقدس الابنة الكبرى للملك بلدوين الثاني وزوجة الملك فولك أو أنجو والوصية على ابنها من بعده بلدوين الثالث والملك الصليبي عموري الأول ومن النساء البيزنطيات ترجم لأنا كومنينا المؤرخة المشهورة صاحبة كتاب ألاكسياد الذي يؤرخ لسيرة الأمبراطور البيزنطي ألكسيوسكومنين. والمعجم بحق نافذة لكل راغب في التعرف إلى أعلام الحروب الصليبية فلا يمكن أن يستغني عنه الباحث المتخصص أو القارئ غير المتخصص الراغب في التعرف إلى هذا العصر وأشهر أعلامه.