شكَّل نجاح الرئيس الأميركي باراك أوباما في قتل اسامة بن لادن، سنداَ اضافياً لقراره بالانسحاب من افغانستان، والمفترض ان يبدأ في تموز (يوليو) المقبل، بعد التركيز على تضخيم الفوارق بين حركة «طالبان» وتنظيم «القاعدة»، بما ينسجم على الأرجح مع سعيه الى وضع عقيدة عسكرية جديدة للولايات المتحدة تقوم على تحويلها الى «حصن منيع»، على غرار الحصون التي اقامها البيض مع بداية استيطان اميركا الشمالية، محميّ من الداخل بسلسلة من الاجراءات والقوانين والاجهزة التي تراقب عن كثب سلوك الاميركيين والوافدين، وقادر في الخارج على توجيه ضربات خاطفة وقاصمة الى الاعداء المفترَضين، بالاستناد الى المعلومات الاستخباراتية، ومع الاستعانة بالقواعد الاميركية المنتشرة في مناطق آمنة، مثل أوروبا، وبحاملات الطائرات المبحرة في سائر محيطات العالم، لكن من بُعد، ومن دون احتلال او ارسال قوات برية. ولعل التغيير الاساسي الذي يعزز فرضية التحول الى دولة - قلعة ذات أذرع وقائية، كان في تعيين جنرال محنّك من الجيش (ديفيد بترايوس) مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية، وتعيين مدير الوكالة (جون بانيتا) وزيراً للدفاع، بحيث يتكامل عمل الرجلين في المزج بين العمليات العسكرية والمعطيات الاستخباراتية، للقضاء في المهد على اي خطط او محاولات للنيل من الأمن الاميركي. وكان بترايوس، الذي شارك بفاعلية في وضع خطة الانسحاب التدريجي من العراق بعد محاصرته «القاعدة» ب «الصحوات» المحلية، ساهم في تطوير إستراتيجية الضربات الجوية بطائرات بلا طيار لمقاتلي «القاعدة» و «طالبان» الافغانية والباكستانية وتكثيفها، لتخفيف الضغط عن القوات البرية في افغانستان، وهي سياسة أثبتت نجاعتها. ويبدو ان خطة أوباما لتوفير حماية وافية للولايات المتحدة مع إعادة الهيبة الى قواتها المسلحة بعد المهانة التي تعرضت لها في العراق وأفغانستان، شكلت فرصة مواتية لخصومه الجمهوريين الذين شنت ادارتهم السابقة الحربين في هذين البلدين، والذين رأوا فيها منصة مناسبة للتمهيد لمواصلة الحروب على الارهاب «الى ما لا نهاية» على حد تعبير صحيفة «نيويورك تايمز». فقبل ايام فقط، أقرت لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الاميركي تعديل قانون صدر في اعقاب اعتداءات 11 ايلول (سبتمبر) 2001، يخوّل الرئيس ملاحقة كل من ساهم او ساعد في ارتكابها او آوى مرتكبيها، وكان الأساسَ القانوني الذي استند اليه جورج بوش لغزو افغانستان، بحيث بات يسمح بشن هجمات عسكرية ضد «اي قوى منخرطة في اعمال معادية للولايات المتحدة»، وهو تعبير اعتبره بعض المعلقين الاميركيين «غامضاً» بشكل مقصود، بحيث يمكن تطبيقه على أطراف لا علاقة لها بأي مجموعة ارهابية. كما يسمح التعديل للجيش الاميركي بمواصلة احتجاز «الاعداء» الى حين «انتهاء الاعمال العدائية»، في ضغط اضافي على اوباما، الذي كان تراجع بالفعل عن وعوده بإغلاق معتقل غوانتانامو. وهذا القانون في حال اقراره في الكونغرس، وفي حال لم يرفضه أوباما بفيتو رئاسي سيشكِّل، سواء في عهد الادارة الديموقراطية الحالية او في حال عودة الجمهوريين في انتخابات السنة المقبلة، تبريراً لحروب أميركية جديدة في اي مكان من العالم وبذرائع متنوعة، طالما ان واشنطن وحدها تقرر من هم «الأعداء» وكيفية معاقبتهم.