لم تمض ساعات على إعلان تحالف «نصر العراق» الذي جمع رئيس الوزراء حيدر العبادي بفصائل الحشد الشعبي وأحزاب أخرى، حتى أُعلن انسحاب كل مجموعات «الحشد» من التحالف صباح أمس الذي شهد أيضاً سلسلة تفجيرات وسط بغداد وفي مناطق أخرى عراقية أوقعت عشرات الضحايا. وأكدت مصادر أمنية أن انفجاراً مزدوجاً في ساحة الطيران بسيارة مفخخة وعبوات ناسفة استهدف مكان تجمع لعمال البناء، أدى إلى مقتل نحو 17 شخصاً وجرح أكثر من 60 آخرين، وتزامن مع انفجارات في مناطق مختلفة، في انهيار أمني هو الأول منذ شهور كانت بغداد تنعم خلالها بحالة أمنية مستقرة ونادرة. ويأتي هذا التطور متزامناً مع إعلان انهيار تحالف «نصر العراق» الذي أبرمه العبادي فجأة مع فصائل الحشد وعدد من الأحزاب السياسية، وبعد ساعات من إعلانه. ونقلت بيانات وتصريحات متباينة لناطقين باسم الفصائل المنسحبة، بينها «عصائب أهل الحق» و «كتائب حزب الله» و «الصادقون»، بأنها اعترضت على تحالف العبادي مع شخصيات وقوى سياسية «فاسدة». لكن أسباباً أخرى، وفق مطلعين، كانت وراء انهيار التحالف، أبرزها فتح العبادي مساء أول من أمس مفاوضات لضم الزعيمين الشيعيين عمار الحكيم ومقتدى الصدر إلى تحالفه من دون العودة إلى زعماء الحشد، علماً أن الأول وافق فيما رفض الثاني. وأثارت هذه الخطوة حفيظة قوى «الحشد» التي نقلت المصادر أنها كانت اشترطت على العبادي في مفاوضات تشكيل الحلف، برعاية زعيم فيلق القدسالإيراني قاسم سليماني، أن يُبعد الصدر والحكيم من التحالف مقابل إبعاد نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي عنه. وأضافت المصادر أن الاتفاق الذي لم يصمد طويلاً كان يتضمن أن تعيد إيران رسم الخريطة الشيعية السياسية، بما يضمن للعبادي منصب رئيس الوزراء، مقابل أن تكون القوة الرئيسة التي تسيطر على الحكومة هي المجموعات السياسية الممثلة للحشد الشعبي، على أن يتم تحجيم دور الصدر والحكيم، في مقابل إنهاء منافسة المالكي للعبادي على منصب رئاسة الوزراء بتحجيم كتلته الانتخابية. وبدا أن أحداث أمس ستعيد ترتيب خريطة التحالفات السياسية، إذ نقلت تسريبات فتح فصائل الحشد باب المفاوضات مع المالكي للدخول بتحالف مشترك، مقابل مضي العبادي إلى مفاوضات مع الصدر وقوى سنية لدخول تحالف عابر للطوائف. وكان الصدر انتقد بشدة تحالف العبادي الذي اعتبره «طائفياً بغيضاً»، فيما كان التحالف أثار ردود فعل رافضة ليس فقط لضم العبادي فصائل الحشد الأكثر قرباً من إيران بعد أن كان يتبادل معها انتقادات شبه يومية، بل أيضاً بسبب سعي العبادي إلى ضم أكبر عدد من القوى والأحزاب إلى تحالفه الجديد، بما أدى إلى إعادة إنتاج التحالفات الشيعية السابقة بأحزابها ووجوهها التقليدية. ويبدو المشهد السياسي العراقي أشد تعقيداً في ضوء استمرار إغلاق مفوضية الانتخابات أبواب تسجيل التحالفات الجديدة منذ الخميس الماضي، وعدم إعلانها فتح الباب مجدداً. لكن مراقبين يرون أن التحالفات كان يجب أن تُمنح مزيداً من الوقت لضمان تفاهمات قوية، خصوصاً أن البرلمان لم يقر حتى الآن قانون الانتخابات، ولم يصادق على يوم الانتخابات الذي اقترحته الحكومة في 12 أيار (مايو) المقبل، وسط مطالبات مستمرة بالتأجيل.