اختلف الأطباء والاختصاصيون النفسيون حول ضرورة إخبار مرضى السرطان بإصابتهم، فيما اتفقوا على خطأ تحديد الفترة المتبقية من عمر المريض، مخافة الانعكاسات النفسية الخطرة لذلك عليه وعلى ذويه، داعين لاتباع أسلوب التدرج في نقل الخبر. وأشاروا إلى أن الجدل حول هذا الموضوع تم حسمه منذ زمن، إلا أن إثارته بين فترة وأخرى، على أيدي الاختصاصيين النفسيين يعود إلى تغير بعض الآراء الخاصة باختصاصيي علم النفس، التي يرون أنها قابلة للتغيير، في الوقت الذي لا يتم الاعتماد على هذه الآراء إلا بعد دراسات مستفيضة، تنفي السابقة أو تبين خطأها، مؤكدين أن إثارة الموضوع قد تستهلك وقت الأطباء دون الحاجة إلى ذلك. وقال رئيس قسم الأورام في مستشفى الملك فهد التخصصي في الدمام الدكتور حافظ حلواني: «نحاول تطوير أساليبنا في توصيل الخبر للمريض»، لافتاً إلى أنه «في الغرب، يعتبر المريض هو المخول أولاً أن يعرف خبر إصابته بالسرطان، فيما تواجهنا هنا مشكلة، أن العائلة تعتقد أن عليها أن تقوم بدور الحماية، وأن المريض لا يجب أن يعرف، ما ينتج منه في بعض الأحيان عدم إخبار المريض مباشرة ويتم التدرج في ذلك، بحيث نخبره أننا رأينا ورماً من خلال الأشعة، ونريد التأكد هل هو حميد أم خبيث، وبعد التأكد نعرض عليه العلاج الكيماوي، ونشرح له الأعراض الجانبية له»، لافتاً إلى أن «الدراسات في الغرب أثبتت أن نحو 80 في المئة من المرضى، حتى في حال عدم إخبارهم، يعرفون أن لديهم شيئاً ما يتعلق في حياتهم وصحتهم»، مشدداً على «توعية الأهل بضرورة أن يعرف المريض بحاله». وعزا السبب إلى أن «المريض هو من يقوم بالموافقة على اختيار نوع العلاج». وأوضح حلواني، أن «نحو 40 في المئة من الحالات تصل في حال متأخرة، بيد أن هذا لا يعني أننا في حال أعطيناهم علاجاً بألا تحدث استجابة». وذكر انه «عادة أتحدث مع المريض وذويه في شكل واضح، وأخبرهم عن تأخر الحالة في حال كانت كذلك، ويتم ذلك بالتدريج. لكن لا أخبرهم أن المريض سيموت بعد يومين، لأن أموراً مثل هذه نحن لا نعرفها على وجه الدقة». وأشار إلى عدم الاستعانة باختصاصيين نفسيين في مثل هذه الحالات بالدرجة الكافية، بسبب «قلة توافرهم في المستشفى، بحيث لا يمكنهم تغطية الأعداد الكبيرة من مرضى السرطان لدينا، على رغم الحاجة إليهم، ما يدفعنا للاستعانة بهم في الحالات الماسة لمرضى السرطان»، لافتاً إلى أن نحو 10 في المئة فقط من المرضى «يحتاجون لمتابعة اختصاصي نفسي». بدورها، قالت رئيسة قسم الأورام في مستشفى الملك فهد التخصصي واختصاصية سرطان الأطفال ريمة الحايك: «باعتباري مختصة في سرطان الأطفال، غالباً أقوم بالتحدث مع الأهل لأن الأطفال دون سن الإدراك، إلا في حال كان الطفل مدركاً والأهل يرغبون في ذلك»، مضيفة «أقوم بتوصيل الخبر في شكل صريح وصحيح وواضح في نقل المعلومة، لأن اللف والدوران يفقد الثقة بين الطبيب والمريض أو الأهل الذين يتواصل معهم الطبيب بشكل وثيق خلال فترة العلاج»، لافتة إلى أهمية أن يتم نقل الخبر ب «لطف شديد، وتبسيط للموضوع، وإعطاء الأمل عندما يكون بالفعل موجود، ولفتهم إلى دور الإيمان، لأن الأمور التي تتصل في الدين والروح تعطيهم أكبر دفعة للصبر وتقبل الواقع». وتابعت الحياك، «يوضح الأطباء المعلومات العلمية، ويعرفون المرضى بالمرض، وأسبابه، في حال وجدت، وكذلك أنواعه، وأنواع العلاج ومضاعفاته، ونتائجه المتوقعة، كي يكونوا على علم. وكذلك نخبرهم بنسب الشفاء المتوقعة». وأردفت «نحاول دفعهم للتفكير الموضوعي البناء غير المجرد من العاطفة، المتفهم للحالة»، مؤكدة استعانتهم ب «اختصاصيين نفسيين ومشرفين اجتماعيين منذ بدء العلاج، لمتابعة الطفل وتطوراته، وكذلك الأهل، ليتجاوزوا الأزمة». واردفت: «نخبر الأهل بواقع الأمر، لكننا لا نحدد ما تبقى من العمر». وذكرت أنها تعرف «مريضاً نقل للعلاج في أميركا، فأخبروه بأنه تبقى من عمره شهر ونصف الشهر، بيد أنه عاش سنة ونصف السنة». فيما وصف الدكتور بندر العتيبي، إخبار مريض السرطان بمدى انتشار المرض، وتحديد عمر متبقٍ له، بأنه «أسلوب خاطئ»، مشيراً إلى «الانعكاسات السلبية التي يمكن أن يتركها مثل هذا الأمر على نفسية المريض، واحتمال تفاقم المشكلة، وتحولها إلى عضوية ونفسية في الوقت نفسه»، داعياً إلى «اتباع أسلوب التطمين، وعدم المواجهة المباشرة»، معتبراً أن «القيام بتبليغ أحد أفراد الأسرة، وإيكال مهمة تبليغ الخبر للمريض إليه، بحيث يقوم بتطمينه ومواساته، يمكن أن يكون وسيلة أفضل». وشدد العتيبي، على أهمية اتباع «أسلوب الطمأنة التدريجي للحالة، وعدم التصريح في شكل مباشر، والقيام باختيار الأكثر عقلانية من أفراد الأسرة المقربين للمريض، لتوصيل الخبر إليه تدريجياً بعد استرخائه وتهيأته نفسياً، سواء الخبر المنقول إصابة بسرطان، أو جلطة، أو فيروس كبد وبائي»، مؤكداً أهمية «تأهيل المريض نفسياً لتلقي الخبر، من طريق العلاج المعرفي، والسلوكي».