تعترف وزارة العمل بأن «السعودة» ليست مسؤوليتها، وأحيي هذا الاعتراف لأنه يثبت أن هناك أسباباً وعوائق تقف في الطريق نحو تفعيل مشروع السعودة الذي بدأ، وانتهى خجولاً مظلوماً مسكوتاً عنه في ظل أن من عقدنا عليه الأمل في انجاز المشروع أخذته متعة العودة إلى الخلف وسحب اليدين بالتدريج من المهمة والعمل والحديث عن ذلك بوقت متأخر جداً. هذه المرة يقال إن السعودة تقع على عاتق وزارة الخدمة المدنية في المقام الأول، ويقال إن خطط توطين الوظائف في القطاع الخاص السعودي لم تنجح لأسباب عديدة ومركبة، وليتنا نعرف ولو كرؤوس أقلام ترتيب هذه الأسباب ولو بشكل عشوائي، ولنا أن نركبها كيفما نشاء. صحيح أنها تؤلمنا بعض الحقائق وتأتي مغلفة لترمى بشكل غير مباشر جل المهام والأعمال، لتوضع في عنق كرسي آخر لنظل وقتاً مطولاً في أخذ وشد وتصريحات وتلميحات ساخنة من أجل الحصول على معلومة جديدة وأمل نتكئ عليه ما تبقى من الزمن، وفي كل ذلك استخدام ذكي ولعب على المهمات الوطنية من أجل أن لا نقول ذات يوم إن المشروع الذي عقدنا العزم يوماً سابقاً على إنجاحه وتطبيقه حقق نسبة عالية من الفشل. نحاول ونقاتل من أجل أن يتم استثمار المواطن السعودي في أرضه وقدراته بالشكل الصحيح، وأن يحل بديلاً للمقيم طالما كان هذا المواطن قادراً على العمل، لكن المقاتلة من أجل ذلك تصطدم بصبات خرسانية وادعاءات روتينية تحتاج إلى شجاع يتحدث عنها بلا رمز وتمويه، بل وجهاً لوجه، ودوماً يستوعب الكلام الذي يأتي بهذه الطريقة. ما أريده أن لا يجتمع أحد في يوم قادم من أجل تفعيل السعودة، ولا أن يرسم عنواناً لورشة عمل تناقش هذا المشروع بين النجاح والإخفاق، لنختتم الرحلة بتوصيات تستهلك كمية من الحبر ليس إلا، لا نحتاج اجتماعات ونقاشات عقيمة، الزمن الفائت يكفي، ما نحتاجه نقاطاً على السطر، وكل نقطة تشير إلى متهم في إفشال المشروع أو تمييعه. لاحظوا أني لم أشر إلى من نفى مهمة السعودة عن جهازه وكرسيه، ولا حتى من رأى أن يجب أن تكون في ذمة وزارة الخدمة المدنية، لأن عودة إلى أقرب تصريح لوزير سيحمل الإجابة بالكامل والتفاصيل التي كنا ننتظر غيرها، إنما وهي قدمت بهذه الصورة فنحن متشجعون لأن المثل الشعبي بعد تحويره لغوياً «يفضل أن تبدأ دوماً بالتصريح بالكلمة التي تستحي أو تخاف منها ومن عواقبها»، وبما أن التخلي عن السعودة هو بمثابة إعلان الفشل وصعوبة المهمة لكن بطريقة دبلوماسية واحترافية لم يكن بد منها فلعل أن المشروع البديل «تحفيز المنشآت لتوطين الوظائف» عبر ثلاث نطاقات ملونة «أحمر وأصفر وأخضر» يحمل بشائر سعادة ولو بنسب ضئيلة. ما أخشاه أن يكون البديل إبرة مهدئة على هيئة ومسمى «مشروع»، وأخشى أكثر أن ندمن مشاريع الورق تحت إغراء مسمياتها اللافتة والمبهجة دون أن نضع خطة زمنية مجدول للبدء والانتهاء وهنا يكون الفرق والفارق، وعوداً على البدء لا أزال في حيرة مختلطة بسعادة حتى وإن تقاطعت وزارة الخدمة المدنية مع وزارة العمل في تفعيل المشروع المنتهي الصلاحية وذلك حسب القول الأخير، حيرتي في أني متأكد من أن السؤال/ عنوان المقال سيظل مطروحاً بلا إجابة عملية لفترة طويلة قادمة، وسعادتي لأن مشاريعنا باتت تتعثر وتفشل حتى وإن كانت تتبناها الوزارات مباشرة، من دون حاجة إلى مقاول أو استشاري! [email protected]