صحيح أن هناك، على شاشات التلفزيون، محطات كثيرة متخصصة في الحديث عن الحيوانات وموقعها من الحياة والطبيعة... لكن ثلاثة أنواع من الحيوانات عرفت خلال السنين الأخيرة كيف تشق طريقها الى القنوات الأخرى غير المتخصصة، مرفقة بأخبار رعب وارهاب لا علاقة لها بسينما الخيال العلمي بالطبع. ففي البداية كانت هناك الأبقار وجنونها. ثم كانت الطيور... واليوم هاهي الخنازير تحتل الأخبار ولكن من دون ان تكون لها صورة في غالبية الأحيان. ففي الفضاء التلفزيوني تتلاحق الأخبار عن «الجائحة» المتدحرجة التي تهدد اليوم باجتياح العالم، والتي باتت تثير رعب البشرية كلّها: «إنفلونزا الخنازير»، بعد أن ذهبت إلى غير رجعة أخبار مماثلة عن الحيوانات الأخرى. الأخبار عن «إنفلونزا الخنازير» تتتابع هذه المرّة من دون الصور والمشاهد الحيّة، وغالباً في الشريط الإخباري الذي تقدّمه غالبية الفضائيات العربية، وهي أخبار لا يستطيع مكابر أن يخفّف من وقعها المرعب على كل مشاهديها، خصوصاً وقد أخذت تظهر تباعاً حالات ممّن أصيبوا في هذه العاصمة أو تلك المدينة، أو وفدوا إليها عبر المطارات آتين من عواصم ومدن بعيدة. مع ذلك كلّه نلاحظ كمشاهدين متابعين أن أخبار تلك الوقائع المرعبة تقتصر على حالات الإصابة التي تكتشف، أي أنها تخلو من أية معلومات جدّية عن المرض: أسبابه، طرق الإصابة به، وبالتأكيد أعراضه، ثم بعد ذلك ما هو أهم وقادر على طمأنة المشاهدين، ونعني وسائل العلاج الممكنة وما إذا كانت موجودة أصلاً. هي أخبار مرض يبدو حتى الساعة غامضاً وغير قابل للتفسير أو الشرح بصورة كاملة ويمكن أن تعطي المشاهد فكرة واقعية وتدلّه الى وسائل الوقاية التي يمكنه اتخاذها لحماية نفسه من الإصابة، ثم للإفلات من المرض في حال الإصابة به. هنا تبدو القنوات الفضائية العربية عاجزة تماماً، على رغم البرامج الطبيّة الكثيرة التي تبثّها في شكل أسبوعي عن تقديم تقرير علمي يستند إلى المعلومات الطبيّة الدقيقة، وهو ما يحتاجه المشاهد في منزله، أكثر من حاجته إلى أخبار سريعة تصيبه بالرّعب وتتركه حائراً لا يدري ماذا يفعل ولا كيف يتصرّف، وهي حالة يتسبب استمرارها في إشاعة الأوهام والخرافات والتفسيرات الضّارة التي يمكن أن تعطي تأثيراً معاكساً اجتماعياً واقتصادياً. «إنفلونزا الخنازير» مرض يصيب الإنسان ولا يجوز أن يظلّ لغزاً يثير كل هذا الرّعب. فهل ستظل الفضائيات مكتوفة الأيدي؟ أم سترتقي خطوة وتعطينا من المعلومات ما قد يدفع الى حيطة إضافية أو يدفع الرعب المبالغ فيه بعض الشيء؟