نصفهم يلفظ أنفاسه الأخيرة هناك، إذ كان يبحث عن فرصة أخرى، عن عضو يساعده في الهرب من أسنان الموت، ومن حياة في غرف المستشفيات المليئة بالألم. بين ألم يعتصرهم وواقع يزيد من آلامهم يعيش أولئك المعانون من قصر في وظائف أعضائهم تحت رحمة المتبرعين، وأحياناً يكون الملاذ الأخير لهم طلباً للصحة هو السفر لزراعة الأعضاء. وتشير آخر الإحصاءات إلى أن 50 في المئة من الباحثين عن أمل في زراعة الأعضاء خارج المملكة يعودون ليحملوا على الأكتاف في الطريق إلى المكوث تحت التراب. وتعزو تلك الإحصاءات هذه النسب العالية من الوفيات إلى سفرهم لبعض الدول العربية والآسيوية غير المؤهلة طبياً لإجراء جراحات زراعة الكبد. ومن ينجو منهم موقتاً، ربما يفارق الحياة بعد عام أو عامين، إذ تؤكد إحصاءات منظمة الصحة العالمية أن جميع المرضى يصابون بمضاعفات وأمراض معدية أثناء عملية نقل الأعضاء، وبعضهم يتوفى بعد مرور عام من جراحة الزراعة، في الوقت الذي تنخفض فيه هذه النسبة لدى المسافرين للخارج لزراعة الكلى. ولأن الغريق في الألم يتعلق ولو بقشة من أجل الخلاص، فلا يكترث الكثير ممن هم بحاجة لتلك الأعضاء إلى التحذيرات الصحية، ويقدمون على خطوات قد تؤدي إلى التهلكة. ويتجه السعوديون لدول عربية عدة أبرزها مصر (قبل ثورة يناير). وكان مشروع قانون نقل وزراعة الأعضاء البشرية الذي أقره مجلس الشورى المصري، بعد موافقة الأزهر والبابا شنودة عليه، أثار لغطاً واسع النطاق، خصوصاً بين الفقراء الذين أبدوا مخاوفهم من تحويلهم إلى «قطع غيار بشرية» للأغنياء. ويتوجه جل الباحثين عن أعضاء لزراعتها في أبدانهم إلى تلك البلدان الشرق الآسيوية تتصدرها الهند. العديد من المرضى الذين تحدثوا ل«الحياة» أكدوا أن سابقيهم وجدوا في تلك البلدان أعضاء تسكن أجسادهم وتسكّن آلامهم، رافضين وصف ما يقومون به بالتجارة أو الحرام. وبحسرة يكسوها الألم، يقول نوار القثامي الذي يبحث عن كلية «لو ذاق من يقول إن ما يحدث بالخارج من زراعة للأعضاء هو تجارة بالأعضاء ومن يحرمها، الألم والمعاناة يوماً واحداً لما قال ما قال». وأعلنت منظمة الصحة العالمية في تقرير حديث صدر في 2010، أن 91 دولة عضو في المنظمة هي التي لديها الإمكانات لزراعة الكلى، لكن التقرير يؤكد أن زراعة الكلى لا تفي سوى ب10 في المئة من إجمالي الحاجات المقدرة في العالم. لكن المنظمة كانت شديدة اللهجة في ما يختص بما سمته «سياحة زرع الأعضاء» و«الاتجار بالأعضاء» التي تتنامى بشكل لافت. واعتبرت الأمر انتهاكاً للمبادئ المتعلقة بالإنصاف والعدالة واحترام كرامة الإنسان، مشددة على ضرورة محاربة هذه الممارسات دولياً.