تعيّن الدكتور عبدالعزيز بن سلمة في منصب مندوب المملكة الدائم لدى اليونيسكو قبل أكثر من 15 سنة.. يتحدث عن تلك المرحلة ويقول: «استقبلت خبر ترشيحي للمنصب بقدر ليس بالقليل من عدم الارتياح وانقباض الصدر، وقد لاحظ ذلك وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور محمد الرشيد الذي دعاني للقائه في مكتبه لعرض هذا الأمر علي، وفوجئ به، والسبب في ذلك عدم رغبتي وبشكل مطلق في العيش خارج المملكة، بعد سنوات طويلة من الغربة في الولاياتالمتحدة الأميركية وفرنسا. وعن بداية العلاقة مع اليونيسكو يقول الدكتور ابن سلمة: «عرفت اليونيسكو عندما كنت طالباً في باريس، حينما كنت أتردد على مكتبتها للاطلاع على ما يتوافر فيها من وثائق عن المعركة التي جرت خلال السبعينات ومنتصف الثمانينات حول ما أطلق عليه «النظام الإعلامي الدولي الجديد»، ثم أكثرت من التردد على مقر المنظمة لتغطية ما يعقد فيها من اجتماعات ومؤتمرات دولية حينما عملت أثناء دراستي مديراً لمكتب صحيفة «عكاظ» لبضع سنوات»، ويرى أنه تأقلم مع المنصب بسرعة لأسباب عدة، «الأول هو أنه بحكم الدراسة والعمل الصحافي تكونت لدي جملة من العلاقات مع عدد كبير من الديبلوماسيين في الوفود الدائمة لدى المنظمة ومع عدد من العاملين فيها، والعامل الثاني هو ما لقيته من دعم وتشجيع من وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور محمد الرشيد، والثالث هو تمكني من لغتي العمل في المنظمة - الإنكليزية والفرنسية - مما سهل عليّ تجاوز حواجز، واختصار سنوات». ويؤكد ابن سلمة أنها كانت محطة عمل مرهقة: «كانت مرحلة عملي مندوباً دائماً للمملكة لدى المنظمة لمدة تزيد على أربعة أعوام، فترة مكثفة إلى حد مرهق جداً، وممتعة جداً، وتزامنت تلك الفترة مع انتخاب المملكة عضواً في المجلس التنفيذي للمنظمة، بعد غياب دام قرابة العشرين عاماً - والمجلس التنفيذي هو هيئة مكونة من 58 دولة تنتخبها الدول الأعضاء، ومدة عضوية الدولة العضو المنتخبة في المجلس أربع سنوات - والمجلس التنفيذي هو الجسم الحاكم للمنظمة نيابة عن المؤتمر العام - أي كل الدول الأعضاء - والذي يجتمع مرة كل عامين، والمجلس التنفيذي يدرس ويتبنى مشاريع القرارات والموازنات الخاصة بها، ويحاسب المدير العام على ما نفذ ويسائله بشأن ما لم ينفذ، ويصدر توجيهات ملزمة باسم الدول الأعضاء للمدير العام ولجهاز الأمانة العامة للمنظمة، وقد تبع هذه العضوية عدد من الالتزامات الوظيفية، من أهمها عضوية مكتب المجلس التنفيذي نيابة عن المجموعة العربية، وكذلك تولي المملكة منصب نائب رئيس المجلس التنفيذي عن المجموعة العربية، والتفاوض نيابة عن المجموعة العربية مع المجموعات الانتخابية الأخرى بشأن عدد من القضايا السياسية المهمة، ومن أبرزها بند القدس والحفاظ على نسيجها الاجتماعي والثقافي وبند المؤسسات التعليمية في الأراضي العربية التي تحتلها إسرائيل، وكل تلك المهمات تحملتها بثقة ودعم مطلق من حكومة المملكة ومن وزير التربية والتعليم الأسبق». وفي فترة عمله باليونيسكو كانت مرحلة ترشيح الدكتور غازي القصيبي لرئاستها، ويتحدث عن تلك الفترة فيقول: «أتت علي مرحلة مكثفة واستثنائية، لم تمر على مندوب سعودي دائم سابق - أو لاحق حتى الآن- لدى المنظمة، وأقصد بذلك ترشيح الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله - لمنصب المدير العام للمنظمة في منتصف عام 1998. وتلك قصة أخرى طويلة لم ترو بعد، وأكتفي بالقول أن الدكتور القصيبي خاض معركة شرسة لم يشارك فيها مرشح ثان وثالث فحسب، بل شارك فيها أحد عشر مرشحاً، بمن فيهم مرشح عربي بقي في السباق حتى الجولة الثالثة في يوم التصويت، ووزيرا خارجية أستراليا وسيريلانكا، وبالطبع المرشح الياباني الذي كان سفيراً لبلاده لدى فرنسا، وحصل القصيبي من بين كل أولئك المرشحين على المركز الثاني، وعلى رغم شخصيته المميزة وخبراته الثرية، إلا أنه واجه عدداً من التحديات، منها كما أسلفت وجود مرشح عربي آخر، وكذلك عدم إتقانه اللغة الفرنسية، وهذا الأمر كان نقطة ضعف كبيرة، وإتقان اللغة الفرنسية في منظمة دولية يقع مقرها في باريس شرط لازم لأي مرشح، وإن لم يكن شرطاً مكتوباً». ويختم بقوله: «كثيراً ما سمعت ديبلوماسيين مخضرمين مثلوا بلادهم لدى المنظمة ثم عملوا فيها يقولون: «اليونيسكو هي حصة فرنسا من منظومة الأممالمتحدة».