ارتبط «اتيليه القاهرة» بمجموعة من كبار الفنانين التشكيليين والكتاب ومنهم: راغب عياد، أبو بكر خيرت، رمسيس يونان، عز الدين نجيب، هبه عنايت، جاذبية سري، انجي افلاطون، لويس عوض، بدر الديب، يوسف ادريس، طه حسين، محمود أمين العالم. أسسه الفنان الراحل محمد ناجي عام 1953 ليصبح تجمعاً ثقافياً يحتضن أعمال الفنانين والكتاب المصريين والعرب. ومع مرور الوقت أصبح اتيليه القاهرة بمثابة البوتقة التي انصهرت وتفاعلت داخلها شتى مجالات الفنون والإبداع. الاتيليه الذي يقع في وسط القاهرة يحتضن حركة الكتابة في الستينات مشاركاً مقهى «ريش» ومقهى «ايزافيتش» و «دار الأدباء» كأماكن «المعارضة الثقافية». وبحكم كونه جمعية أهلية غير خاضعة للمؤسسة الثقافية الرسمية مثّل «أتيليه القاهرة» الهامش الذي انطلقت منه غالبية الحركات الثقافية المعارضة في مصر على مدى سنوات طويلة. ومنذ منتصف التسعينات تقريباً يشهد «أتيليه القاهرة» تحولاً تدريجياً ليصبح مجرد «مقهى» للثرثرة وتصفية الحسابات الشخصية، فيتوارى دوره كعنصر فاعل في الحياة الثقافية المصرية. والمعروف ان مبنى «أتيليه القاهرة» تملكه عائلة يهودية، وكان إيجار المكان يصلها في شكل منتظم. واخيراً وبعد أن امتنعت إدارة الأتيليه عن دفع الإيجار لسنوات عدة أصبح هذا التجمع مهدداً بالتشتت. يقول الفنان سعيد الجزار عضو مجلس ادارة الاتيليه إن الأزمة «بدأت عندما اكتشفنا مصادفة واثناء اجتماع لمناقشة الموازنة ان مجلس الإدارة تقاعس عن دفع القيمة الإيجارية لمدة 30 شهراً مبرراً ذلك بأن السيدة ليندا كوهينكا الوحيدة المتبقية على قيد الحياة من بين أفراد العائلة التي تمتلك المبنى توفيت، وبالتالي اصبح عقد الوكيل باطلاً. وهناك خلافات بين الورثة لا يمكن دفع الايجار قبل ان تحسم، لكن المفاجأة التي كشفت عنها لجنة وزارة التضامن الاجتماعي بصفتها الجهة المسؤولة قانوناً عن الأتيليه ان قيمة الايجار السنوى للأتيليه تبلغ 19 الفاً و650 جنيهاً وليس 14 الف جنيه كما اعلن مجلس الادارة للجمعية العمومية». ويتابع الجزار «المفاجأة الكبرى ان اللجنة اكتشفت ان ايجار الأتيليه لم يسدد منذ أربع سنوات كاملة». ولأن التأخر في تسديد القيمة الإيجارية طوال هذه السنوات يتيح الحكم القانوني بالطرد، فمن الطبيعي ان يثير هذا الأمر مخاوف المثقفين وشكوكهم من اعضاء «الأتيليه» الذين قدموا بلاغاً إلى وزارة التضامن الاجتماعي والشرطة. وأكد الفنان وجيه وهبة رئيس مجلس إدارة «اتيليه القاهرة» ان لا توجد أي دعوى بالطرد ولا توجد قضية واحدة مرفوعة ضد الأتيليه، معتبراً ان الأمر مجرد «تهويمات» مثقفين ساعد على انتشارها ما يشاع حول بيع بعض بنايات وسط القاهرة. قال وهبة: « كل ما في الأمر هو أن المالكة الفعلية للمكان السيدة ليندا كوهينكا توفيت وبالتالي سقطت الوكالة عن المحامي الذي كان يتقاضى الإيجار. وقد وصلتني ورقة من مكتب المحامي وديد رزق الله – وكيل الورثة – يخبرنا فيها أن المكتب لا يستطيع استلام القيمة الايجارية لوفاة الموكل الاصلي ويطالبنا بالانتظار لحين تحديد الوكيل الجديد. ومن جانب آخر حضر إلى الأتيليه احد ورثة السيدة كوهينكا ويدعى مونيس وطلب من الإدارة الاحتفاظ بقيمة الإيجار لحين الانتهاء من إجراءات الوكالة الجديدة». وأضاف وهبة: «خلق الأزمات وافتعالها أمر اعتدنا عليه في «الأتيليه»، ولسنا المؤسسة الوحيدة التي تعاني من مفتعلي الأزمات، فالأمر اصبح بمثابة المناخ العام الذي يسيطر على معظم المؤسسات الرسمية والأهلية». ويعتقد الناقد مدحت الجيار أمين الصندوق في الأتيليه في صحة ما ذهب اليه وهبة، ويقول: «أتيليه القاهرة في أمان تام، ولكن يبدو ان الأمور تصاعدت حتى وصلت الى الشكل الذي آلت إليه بعد عمليات بيع عدد من بنايات منطقة وسط القاهرة ما أثار مخاوف المثقفين من دون داع». ويرى الروائي محمود الورداني «أن الأزمة التي يشهدها «أتيليه القاهرة» أزمة عارضة وستنتهى قريباً» ويقول: «ليس هناك ما يدعوني إلى أن التشكيك في صدقية مجلس ادارة «الأتيليه» الذي يعد من أهم الجمعيات الأهلية المستقلة في مصر». ويضيف الورداني: «اتيليه القاهرة اليوم ليس هو اتيليه الستينات والسبعنات فالظرف مختلف وطبيعة العصر مختلفة. التدهور الذي أصاب الأتيليه جزء من التدهور الذي اصاب مصر، أزمة في حرية التعبير، عدم انشغال بالقضايا المهمة، أناس مشغولون بالسعي وراء لقمة العيش... وهل الفنان مطالب بأن يحمل بندقية طوال الوقت؟ وعلى رغم هذا فالأتيليه يمثل قيمة ثقافية كبيرة». أما القاص سعيد الكفراوي فيقول: «حضرت في الاتيليه ندوات أقامها كبار الكتاب أمثال بدر الديب ولويس عوض وكان في صحبتي أدونيس والبياتي وغيرهما. بين اروقة الأتيليه وفي حديقته تعرفت على يحيى الطاهر عبد الله، عبد الحكيم قاسم، أمل دنقل، محمد عفيفي مطر، واحتفلنا بأعياد ميلاد يوسف ادريس ونجيب سرور وغيرهما، وعشنا أزهى فترات إبداع جيل الستينات. ويطالب الكفراوي باجتماع الجمعية العمومية للاتيليه لانتخاب مجلس إدارة جديد يضع جدول الأنظمة الراهنة. ويرى الفنان عز الدين نجيب ان الأتيليه اصبح اقرب إلى النادي أو الكافيتريا منه إلى الملتقى الثقافي، ويقول: «لست ضد ذلك شرط أن يظل المكان رمزاً للمثقف الملتزم الذي يعنيه أمر البلد ومصيره والتحولات الحادثة فيه، وليس المثقف المعنّي بالسلطة والنفوذ. الأتيليه الآن يعاني من التشرذم، والعمل داخله يسير بنظام الجزر المنعزلة التي لا يجمعها رابط. لكن كل هذا لا يبرر ان نتهاون كفنانين وأدباء ومثقفين في الدفاع عن هذا الصرح وحمايته».