باستثناء أصوات معظمها كان غير عربي، أظهرت ردود الفعل في العالم الاسلامي حيال قتل اسامة بن لادن، اهتماماً بالحدث من ناحيته الاخبارية وبطريقة تنفيذه، من غير ان ترافق ذلك تظاهرات الغضب ومشاعر الحقد على أميركا، والدعوات الى الانتقام، والتي كان يمكن توقعها لو قتل الجنود الاميركيون بن لادن بهذه الطريقة قبل سنوات قليلة، وفعلوا ما فعلوه بجثته. لقد بدا كأن ردود الفعل تريد ان توحي ان القتيل يستحق جزاء ما ارتكب. هناك اسباب كثيرة لهذا التحول في الموقف، منها ما له علاقة بما تشهده الشوارع العربية من انتفاضات، مطلبها الاساسي هو الالتفات الى داخل المجتمعات، والى مشاكلها الملحّة مع أنظمتها، فيما تراجع الخطاب «الأممي» الذي طغى على دعوات بن لادن. ومنها ما يتصل بخيبة الامل من «مشروع» تنظيم «القاعدة»، الذي لم يجلب للمسلمين والعرب سوى تشويه الصورة وضرب مصالحهم السياسية والاقتصادية، بينما لم تقدم الوعود بتحرير فلسطين والحرب المفتوحة بين «الفسطاطين» سوى المزيد من الهزائم في كل المجالات. كان رد الفعل على قتل بن لادن غير عادي، ولهذا يجب الاهتمام به والتوقف عند معانيه، خصوصاً أنه يأتي من «جماهير» رقصت في معظمها، وصفقت ل «غزوتي نيويورك وواشنطن»، بل ان بينها من اعتبر ذلك العمل الارهابي مؤامرة «مدبّرة» من اليهود والحركة الصهيونية لتشويه صورة المسلمين! نحن أمام لغة سياسية جديدة في العالم العربي، يمكن ان تكون مدخلاً الى رسم سياسات جديدة، تذهب الى ما هو أبعد من اصلاح اوضاع الداخل. يجب الانتباه الى الواقعية التي تميز مطالب الشوارع العربية، والافادة منها من اجل فرض حلول عادلة للصراع الذي أرهق المنطقة منذ أفاقت مجتمعاتها على الاستقلال في اواسط القرن الماضي. بكلام آخر، لا بد من «مكافأة» التحولات السياسية والاجتماعية الحاصلة في العالم العربي. ومكافأتها لا تكون بالوقوف الى جانب المنتفضين على الانظمة فقط، بل بدعم المطالبين بالعدالة وبالحقوق في فلسطين ايضاً. ولأن صون الحريات واحترام القوانين الدولية كل لا يتجزأ، فلا تستطيع الحكومات الغربية، الداعمة للانتفاضات العربية، الاستمرار في فتح عيونها على ما يجري في عواصم العرب، من غير ان تلقي بالاً لما ترتكبه اسرائيل بحق الفلسطينيين. لأن الموقف المناصر للعدل والمحارب للظلم يجب ان يكون واحداً هنا وهناك. ويستطيع باراك اوباما، الذي يفاخر اليوم ب «الانجاز» الذي حققه بقتل اسامة بن لادن، ان يكسب قدراً اكبر من الصدقية، لو أنه استفاد من ردود الفعل العربية على ما فعلته قواته تلك الليلة في أبوت آباد، وأهدى الفلسطينيين الحقوق التي يستحقونها والتي انتظروها طويلاً. لقد أثبتت ردود الفعل تلك ان العرب يدركون مخاطر التنظيمات الارهابية، من امثال «القاعدة»، على صورتهم وعلى مصالحهم. واذا كانت الادارة الاميركية تريد ان تقنعهم فعلاً ان الارهاب لا يحقق مصلحة لأحد، فان عليها ان تقدم لهم نموذجاً آخر، يقوم على دعمها للحقوق العادلة. عندها تنتفي كل حجج الانتحاريين واليائسين ومناصري العمل الارهابي. لكن ادارة اوباما لا تستطيع ان تفعل ذلك، وأن تقدم نفسها كوسيط غير منحاز، وهي تدير عيناً الى مصالحها الانتخابية الداخلية، وتساير بالعين الاخرى مواقف الحكومة اليمينية الاسرائيلية. لقد أثبت العرب انهم قادرون على تغيير ما بأنفسهم، وعلى ادارة اوباما والمجتمع الدولي بأسره، ان يفرض على اسرائيل ان تسير في خط التغيير ذاته وان تتجاوب مع الفلسطينيين المطالبين بحقوقهم المشروعة. انها الطريقة الوحيدة التي تضمن ان بن لادن «لن يسير على هذه الارض مجدداً»، كما أراد اوباما ان يقنعنا رداً على المشكّكين بقتل غريمه.