بعد 15 عاماً على اعتماد اليورو، عاد النقاش في بروكسيل والعواصم الأوروبية حول الإجراءات الواجب اتخاذها لتحسين أداء منطقة العملة الموحدة، وهي تسعى مع تحسن الأوضاع الاقتصادية إلى استخلاص العبر من التقلبات المالية التي كانت أوصلت اليونان إلى حافة الخروج من المنطقة، وأثارت شكوكاً حول لُحَمة هذا الاتحاد النقدي، الذي يضم اليوم 19 دولة من البلدان ال28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يريد تجسيد مشروع أوروبي جديد، كثّف خطاباته في الأشهر الأخيرة، داعياً إلى إصلاحات، سواء في الاتحاد الأوروبي أو منطقة اليورو، وقال إن «رهاننا في قلب المنطقة هو معرفة كيف نجعل منها قوة اقتصادية منافسة للصين والولاياتالمتحدة، وكيف نحل ما فشلنا فيه منذ عشر سنوات، وهو إحداث فرص عمل». ووفق أرقام البنك الدولي، يبلغ الناتج الإجمالي لمنطقة اليورو 11934 بليون دولار في 2016، وهو مشابه لناتج الصين البالغ 11199 بليون دولار، لكنه بعيد من ناتج الولاياتالمتحدة البالغ 18624 بليون دولار. غير أن فكرة إصلاح منطقة اليورو تثير نقاشات متوترة بين الدول المعنية. إذ تبدو دول الشمال على غرار هولنداوألمانيا، مترددة في مشاركة ثرواتها مع دول الجنوب على غرار فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، إذ تعتبر سياساتها في مجال الموازنة غير حازمة في شكل كاف. وتفضل هذه الدول التركيز على إصلاحات تقنية تهدف أساساً إلى ضمان احترام أفضل لقواعد ميثاق الاستقرار الأوروبي (عجز عام دون 3 في المئة من الناتج، ودين عام دون 60 في المئة من الناتج). وتعتبر ذلك أفضل حماية من أزمات مالية في المستقبل. وتحاول المفوضية الأوروبية التوصل إلى تسوية، مقترحة حزمة إجراءات تشمل تحديداً تأسيس صندوق نقد أوروبي، وإرساء وزارة مال لمنطقة اليورو. وبعد قمة 15 كانون الأول (ديسمبر) الأوروبية، لم تغلق المستشارة الألمانية أنغيلا مركل، الباب أمام البحث في اقتراحات الرئيس الفرنسي. وقالت: «سنتوصل إلى حل مشترك، لأن ذلك ضرورياً لأوروبا». يريد الرئيس الفرنسي أن تمثل الموازنة المستقبلية لمنطقة اليورو «نقاطاً كثيرة من الناتج». ويمكن أن تموَّل من خلال «رسوم أوروبية في المجالين الرقمي أو البيئي»، قبل اعتماد ضريبة على الشركات لاحقاً. وأيّد «عدد مهم» من وزراء مال دول منطقة اليورو، موازنة تستخدم «أداةَ استقرار» في حال حصول حدث يؤثر بشدة في اقتصاد دولة عضو في منطقة اليورو، من دون أن يمس بقية الدول (مثل فيضانات كارثية). لكن رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، يرى أن اعتماد «خط موازنة مهم» ضمن موازنة الاتحاد الاوروبي سيكون ملائماً أكثر. بعد التجاذب بين صندوق النقد الدولي ودول منطقة اليورو في شأن إدارة الأزمة اليونانية، اقتنعت الدول الأوروبية ومنها ألمانيا، بضرورة تدبير أمرهم منفردين في المستقبل، وبالتالي إحداث صندوق نقد أوروبي. وقدمت المفوضية مشروع صندوق نقد أوروبي، يكون «هيكلاً مشتركاً» و«مسؤولاً أمام البرلمان الأوروبي»، وتكون لديه ذات القدرة النظرية للإقراض أي نحو 500 بليون يورو. لكن ألمانيا قلقة من تراجع نفوذها في الهيكل الجديد. إذ تحظى حالياً ضمن آلية الاستقرار بحقوق تصويت مساوية لمساهمتها في التمويل (27 في المئة)، ما يمنحها نفوذاً يفوق تلك في المؤسسات المشتركة. ويمكن أن يُمنح صندوق النقد الأوروبي المستقبلي، دور الضامن للبنوك التي تواجه صعوبات في منطقة اليورو في حال لم تكن كافية الإجراءات المقررة في إطار الاتحاد المصرفي الجاري تشكيله. ومن بين كل مشاريع منطقة اليورو، يبدو الاتحاد المصرفي الذي أُطلق عام 2014 الأقرب إلى التنفيذ، وهو يقوم على جعل بنوك منطقة اليورو أكثر متانة وتفادي استغلال أموال دافعي الضرائب في إنقاذ مصارف تواجه صعوبات كما حدث إبّان الأزمة. وما تحقق حتى الآن هو إرساء أساسين من ثلاثة أُسس مقررة، الأول يشمل الإشراف على البنوك، والثاني يساعد عند الحاجة البنوك بمال مصدره القطاع المصرفي. في المقابل، يتمثل الأساس الثالث بالطمأنة بفضل ضمان أوروبي للأموال المودعة، ويبدو تحقيقه أصعب. وعلى رغم التقدم على درب هذه الإصلاحات، لا تزال توجد ملفات مهمة على طاولة المفاوضات، مثل التناغم الضريبي الذي يشمل أعضاء الاتحاد ال28. ويتركز النقاش على الضريبة على الشركات، مع تنامي وعي خبراء الاقتصاد والقادة السياسيين بالآثار السيئة للمنافسة الضريبية المحتدمة، في اتحاد تتحرك فيه بحُريّة الرساميل والأفراد والسلع. وفي 2016، أعادت المفوضية الأوروبية إطلاق مشروع يستهدف إرساء قواعد موحدة لحساب الأرباح لدى الشركات. ومع هذا النظام الذي سيكون إلزامياً للشركات التي يفوق رقم معاملاتها 750 مليون يورو، تبقى الدول حرة في تحديد نسبة الضريبة، لكن يتعين أن تحدد احتساب قاعدة الضريبة بالطريقة ذاتها.