لم يكن ذنب هذه الفتاة الصامدة إلا أنها قدمت لزوجها المتقلب المزاج ثلاث بنات ساحرات، كن شيئاً مختلفاً في حياة زوجية تعتبر - مملة بلا أطفال - واسألوا من ينتظر السنين الطوال للاحتفال والبكاء على القادم أياً كان نوعه وجنسه، الزهرات الثلاث لم يخرجن إلى الدنيا إلا بالمساهمة الأكبر من الأب الذي لم يرضَ بالنصيب والرزق وكأنه بريء منهن، أو أن الزوجة العفيفة مصنع رديء المنتج لا يتفق مع الرغبات والأمنيات، ولذا سيبحث عن المصنع البديل الذي يقدم له الذكور على طبق من ذهب فيما هو يستمتع بالتنقل والبحث حتى يجد ضالته، التي يضغطه عليها مجتمع لا يؤمن إلا بالذكور من الأبناء، ولو قدر له أن يرزق بذكر قادم لمسح كل الألقاب السابقة ورفض إلا أن يُكنّى بأبي فلان - أعني الابن - أما البنت فصلاحيتها منتهية بمجرد قدوم الأخ الأصغر، لتصبح مجرد قطعة أثاث في المنزل، كما هي الأم تماماً، تلك التي اعتادت على معزوفة البكاء كل صباح على الحظ التعيس الذي رمى بها في أحضان شاب متهالك الأفكار مسلوب القرار، حين يرخي أذنيه لمجتمع يتواجد به من يحب أن يتدخل في الخصوصيات، ويعكر الأجواء الأسرية بأسئلة استفزازية لا معنى لها واعتراض على النصيب والقسمة، بينما نشاهد التنظير والخداع وجمل التهدئة إن كانت قصة مؤلمة كهذه تمس أختاً أو بنتاً تنتمي للمتدخلين المعكرين المعترضين.! ليلتمس لي العذر كل من يمر بجرح كهذا وليسامحني على كشف ورقة قاتلة من أوراقنا التي نخفيها ونستبدل مكانها أعذاراً واهية لحظة المكاشفة، وأنا الذي أعرف بيوتاً قريبة وبعيدة تعيش مثل هذه المعاناة بصمت، أو أنها انتقلت مع مرور الزمن إلى مرحلة أكثر ضجيجاً يلعب فيها الرجل دور الصراخ وإيجاد الحل الذي يرضي غروره، ويثبت فحولته المنتفية، طالما كان إنتاجه السنوي «بنتاً» لا تمثل إلا نوعاً شكلياً من الإنتاج لاكتمال النسل في المستقبل، ولتصبر هذه الأم الشابة العظيمة وتفتخر بأنها تحتضن من يعين على الأحزان ويقف في اشتداد المرض، ويسكب الدموع بحب عند الموت، ولتتأكد أن الزوج لن يستيقظ من السبات ويدرك أنهن نعمة من الله إلا مع مرور الأيام واشتداد الحياة وعودته منهكاً متعباً يرتمي عليهن وطيبتهن ومسحهن الجباه وتقبيلهن الأيدي والرؤوس. أعرف قريباً لي رزق بثماني بنات يفصل بينهن شاب متهور من الزوجة الأولى بعد أن ركب رأسه ذات زحف اجتماعي وعيب متوارث نحو أن يسرع قبل أن يموت ويبحث عن زوجة تأتي له بالذكور الذين يرفعون رأسه، فرزق من الثانية بثلاث بنات وحضرت له الأولى بالابن الوحيد، الابن الذي يشكل الفاصل بين البنات الثماني، يلقي على والده السلام في الصباح الباكر ويغادر - هذا إن ألقاه - يمارس شغبه المرهق بلا وعي، عَلَّم والده المتعب احترافية ألا يغلق هاتفه الجوال على الإطلاق، لأن هناك من يستدعيه صباحاً ومساءً، بدءاً بالمدرسة ومروراً بالشرطة وانتهاءً بالمستشفى، فهو يتنقل بينهم بحسب الأجواء اللازمة لبرنامج فرد العضلات اليومي، أرهقه بكثر الدعوات المؤلمة التي تدخل أذنه من الجار والقريب والبعيد. جلست معه بعد استدعاء قريب وهو يداري دموعه من السقوط، أو يخفيها عني من الظهور، وطالبته بأن يتحمل فهو في النهاية ابن! إلا انه صدمني حين قال: ليته كان بنتاًَ، أخواته كلهن خير، وهذه كلمة من أب جرّب ابناً واحداً وليس هذا تهميشاً للأبناء، إلا أنها حقيقة موجعة نتغاضى عنها حين يمتلئ البيت بالبنات ونحصر بالكلية رفع الرؤوس في الذكور فقط!