شهدت الجلسة الخامسة لمحاكمة صحافيين من جريدة «جمهورييت» المؤيّدة للمعارضة اتُهِموا ب «نشاطات إرهابية»، سجالاً عنيفاً مع القاضي أدى إلى تجميدها. تزامن ذلك مع تنديد أبرز اتحادَين للمحامين في تركيا بمرسومَين جديدين للطوارئ أصدرتهما الحكومة، إذ اعتبراهما «آخر مسمارين في نعش القانون». ويُتهم 17 من موظفي الصحيفة، بينهم إعلاميون ورسامون وإداريون، حاليون أو سابقون، أربعة منهم في حبس احترازي منذ نحو سنة، بمساعدة «منظمات إرهابية مسلحة»، وقد يُحكم بسجنهم 43 سنة. وتعتبر السلطات أن صحافيّي «جمهورييت» أيّدوا، من خلال كتاباتهم، ثلاثة تنظيمات «إرهابية» هي «حزب العمال الكردستاني»، و»جبهة تحرير الشعب» اليساري المتطرف، وجماعة الداعية المعارض فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016. لكن الصحيفة تعتبر الاتهامات «عبثية»، مؤكدةً أن المحاكمة تستهدف إسكات إحدى آخر الصحف المستقلة في تركيا. وابرز الموقوفين الصحافي الاستقصائي المعروف أحمد شيك، الذي وضع كتاباً كشف فيه علاقات النخبة التركية بجماعة غولن حين كان حليفاً لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم، اضافة الى ثلاثة موقوفين آخرين هم الرئيس التنفيذي للصحيفة أكين أتلاي، ورئيس تحريرها مراد صابونجو والمحاسب إمري إيبر. وفي مرافعته أمام المحكمة، قال شيك إن الحكومة «تنعت الذين لا يشبهونها بالإرهاب»، معتبراً أن «القضاء الذي تهيمن عليه السلطات» يسوق «تهماً عبثية». وردّ رئيس المحكمة عبدالرحمن أوركون داغ قائلاً: «كفى. إذا أردتَ أن تمارس السياسة، عليك أن تصبح نائباً. لا يمكن أن أسمح للمتهم بالمواصلة بهذه الطريقة. أخرجوه من القاعة». وصرخ عشرات من مؤيّدي «جمهورييت» كانوا في القاعة، مخاطبين القاضي: «سيأتي يوم تحاكَم فيه، وسيخرج أحمد من السجن وسيكتب مجدداً»، ما أدى إلى تجميد الجلسة. ورأت محامية الصحافيين غولندام سان كارابولوتلار، أن «المحاكمة هي رمز لمحاولات تكميم حرية التعبير في تركيا، ولضغوط تُمارس على الصحافيين». وقبل بداية الجلسة، تجمّع أمام المحكمة عشرات من أنصار الصحيفة المناهضة الرئيس رجب طيب أردوغان، حملوا لافتات كُتب عليها «العدالة لجميع الصحافيين» و «لستم وحدكم، لسنا وحدنا» و «الحرية لجميع الصحافيين». وحمل بعضهم عدد صحيفة «جمهورييت» الصادر أمس بعنوان «العدالة فوراً». في غضون ذلك، نددت اتحادات المحامين الرئيسة في تركيا بمرسوم جديد للطوارئ أصدرته الحكومة الأحد، ومدّدت من خلاله حصانة كانت منحتها العام الماضي لمسؤولين من محاكمتهم على أعمال رسمية أنجزوها لإحباط المحاولة الانقلابية، لتشمل المدنيين «سواء كان لهم توصيف وظيفي رسمي أو لا، وسواء نفذوا مهمات رسمية أو لا». وقال نقيب المحامين الأتراك متين فايز أوغلو: «سيبدأ الناس في إطلاق النار على الرؤوس في الشوارع. كيف يمكن منع ذلك؟»، وخاطب أردوغان قائلاً: «جئتَ بفقرة تترك المدنيين يقتل بعضهم بعضاً، وينفذون الإعدام خارج إطار القانون، من دون محاسبة ومن دون تعويض. هل أنت واع بما تفعله يا سيادة الرئيس؟». ونبّه المحامون إلى أن المرسوم لم يوضح نوع الأعمال التي يمكن أن يُعتبر أنها تخدم أهداف المحاولة الانقلابية، والتي توجب حماية المدنيين الذين نفذوا هجمات انتقامية رداً عليها. وأعلنت الحكومة أن المرسومين يغطيان ليلة محاولة الانقلاب فحسب، لكن التاريخ ليس واضحاً في نصّ المرسوم. وبرّر ناطق باسم حزب «العدالة والتنمية» الحاكم إصدار المرسوم بتأمين «استقرار البلد وتنميته»، متهماً منتقديه بإشاعة «أكاذيب ودعاية سوداء». لكن «حزب الشعب الجمهوري» المعارض أعلن أنه سيطعن بالمرسوم أمام المحكمة الدستورية، فيما نبّه الرئيس السابق عبدالله غل، وهو حليف لأردوغان، إلى أن صوغ الفقرة مقلق، داعياً إلى تعديلها. وكان مرسوم ثان أصدرته الحكومة الأحد، طرد 2756 من موظفي القطاع العام، للاشتباه بصلتهم بتنظيمات «إرهابية». واعتبرت نقابتا المحامين في أنقرة وإسطنبول أن المرسومَين يشكلان «آخر مسمارين في نعش القانون».