911، 666، F-16، هذه الأرقام تدل على الخطر، والتنبيه، وربما الحرب. ولكن في نظام آخر للترميز هي عبارة عن علامات على الجدران، معظمها مخصصة للقبائل والمناطق أيضاً. 305 المطيري، 505 القحطاني، 511 العتيبي، و07 ل«الجنوب». من الصعب وصف مشهد الغرافيتي وفن الشارع في السعودية، وذلك لأن مساحات البلاد الحضرية شاسعة وبعيدة ومنفصلة عن بعضها البعض. ما تجده في المدينة التاريخية (البلد) في جدة فريد من نوعه تماماً ومختلف عن المشهد الشائع في بقية مناطق المملكة. وبالمثل، جدران القطيف تكشف ثقافة نوعية مماثلة لتلك المنتشرة على جدران القرى البحرينية. ومع ذلك هناك ظاهرة غرافيتي جديرة بالذكر، وتبدو أنها تجاوزت المناطق العشوائية الفقيرة (الغيتو) والمدن الكبرى وحتى الضواحي. شبان مهمشون يتزايد ظهورهم من خلال الجدران في جميع أنحاء المملكة، إذ نعرف عن أرقام جوالاتهم والبي بي الخاصة بهم. وكأنما هناك إشارات لانصهارهم في عالم الاتصالات الإلكترونية. بصرف النظر عن تأقلمهم مع الحداثة، هناك أيضاً رابط أكثر وضوحاً بتعلقهم بجذورهم القبلية. فإذا حاولنا تتبع هذه الأرقام سنجد أن هذه الأرقام تعود إلى تقليد قديم لعلامات الإبل (جمال تنتمي لقبيلة ما ويتم وشمها برمز معروف للدلالة على القبيلة). «غامد والقلب جامد». «وخر عن دربي تراني حربي». «مطيري وأكيد أحسن من غيري». هذه الشعارات مع الأرقام هي مؤشرات فخر لقوة قبيلة عن أخرى. لا يتم التعبير عن مثل هذا الفخر من أبناء القبائل فقط، بل يمتد كظاهرة حضرية أوسع انتشاراً في المملكة والمعروفة باسم الهجولة. هجولة هو مصطلح يرمز إلى ثقافة فرعية للشباب، يشاركون من خلالها بفعاليات مختلفة في المساحة العامة، بدءاً من التفحيط إلى التخريب، وهو ما يعكس حال «ثائر بلا قضية» لشباب يناضلون للعثور على معنى في حياتهم. «الهجولة» أصبحت قضية هروب من جميع القيود الاجتماعية والدينية للمجتمع، وأصبحت حلاً للملل وعدم الانسجام مع بقية أفراد المجتمع. كما جرت العادة، فإنهم يجتمعون في أجزاء متفرقة من المدينة وضواحيها لممارسة التفحيط أو بعض رياضات السيارات الخطرة، ويكتبون على الجدران لتأكيد وجودهم في المساحة العامة. كتاباتهم تتنوع بين أسمائهم الشهيرة والمستعارة، النكت، كلمات الأغاني، وأرقام الهواتف وأرقام لوحات السيارات والعلامات الأخرى التي بالإمكان فك شفرتها للدلالة على آليات التواصل بينهم. بعضهم يكتب «مهجول» أي أنه ببساطة يمارس الهجولة. ولكن ماذا تعني في الواقع كلمة «مهجول»؟ المهجول جاهز للتحدي ويفتخر بسعيه للخطر. هذا الخطر هو مخرج مثير من الملل والحياة الرتيبة. حتى الموسيقى التي يستمعون إليها مسرّعة لكي تتماشى مع السباقات المتهورة. كما أنهم يتشاركون ريمكسات مختلفة عبر «يوتيوب». وكما هو معروف على نطاق واسع فإن هؤلاء الشبان يستهلكون الكثير من الحمضيات ومشروبات الطاقة مع حبات الكابتاغون (أو فينيثيلين) أو المنشطات التركيبية. ويشعرون بالفخر عند الوقوع بيد السلطات ويفضلون ذلك من دون الوشاية عن زملائهم أو عن أنشطتهم بشكل عام. في هذه الأيام، اتخذت «الهجولة» مستويات متطرفة وجديدة من الخطر ومهددة للحياة، لتخلق فئة فرعية يشار إليها باسم «درباوي». هذه الظاهرة لم تعد لغزاً، كما أصبحت معروفة على مستوى البلاد. وتخاطب حتى في وسائل الإعلام، سواء بشكل تهكمي أو جدي. لكن ما يُهمش ويعتبر تافهاً هو الغرافيتي والملل الذي يلهمه. فهذه الكتابات على الجدران ليست مجرد «شخبطات»، وإذا قرأتها بتمعن ستجد أنها أفعال انعكاسية. مع أكثر من 60 في المئة من الشعب تحت سن ال30، ومع ارتفاع معدلات البطالة، أصبحت الظاهرة الاجتماعية للشباب السعوديين الذين يشاركون بالهجولة جلية ومتفهمة. ومع انتشار كتاباتهم وتدفقها على جدران المملكة، يبدو جلياً أن هذه الكتابات غير مبالية أو سلبية كما يتراءى لنا. كما أن كتاباتهم ليست غريبة أو مختلفة جداً عن الغرافيتي المعتاد في شتى أنحاء العالم. إذ بدؤوا بدمج كلمات إنكليزية، رموز إناركية، رسومات الجماجم، وتعبيرات حادة ضد الشرطة وغيرها من أشكال التمرد. هم متمردون بلا قضية، وهذا بحد ذاته نوع من التعبير والمقاومة وإثبات لوجودهم، وربما تكون هذه قضيتهم.