احتفالات ومهرجانات «الهجن» ، برنامج «شاعر المليون، رسائل sms في قنوات شعبية منتديات القبيلة، كل ذلك يدفع بالحماس لتلك القبيلة والتعصب لها، مما يجعلنا أمام حالة تناقض بين مجتمع مدني نريد الانتماء إليه، وروح مازالت تعيش بل وتهيم حبا بمظاهر عاشها أجدادها قبل ألف سنة، هذه الورطة الحقيقية هي ما جعلتنا مرتبكين في كيفية تقبل مهرجان «أم رقيبة» والتعامل معه بوصفه تراثا وثقافة حقيقية مازلنا نرتكز عليها في دراستنا للأدب العربي مثلا، فالإبل وجمال وصفها هي ماكان يتنافس عليه شعراء «عكاظ» في سوقهم العظيم حتى تحظى قصائدهم بالكتابة بماء الذهب وتعليقها على جدار الكعبة أو في ذاكرة المتلقين، ومن يقرأ وصف الناقة في قصيدة «البردة» لكعب بن زهير أمام الرسول عليه الصلاة والسلام يدرك لماذا ألبسه عليه أفضل الصلاة والتسليم بردته الشريفة. صورة العرض للإبل والسيارات الفارهة التي تواكب سير الإبل والتمجيد لصاحب المنقية، والمشهد الاحتفالي الذي حضر فيه كل شيء إلا الإبل ! هو ما ينغص على من يستمتع بهذه الاحتفالية الثقافية التراثية ذائقته الجمالية في أن يتعرف على هذا الكائن الذي استطاع السير في خط زمني ثابت وحضور ثقافي قوي داخل وجدان إنسان الجزيرة العربية، ما يصاحب هذه المهرجانات والاحتفاليات هو الخطر وليست «مزاين الإبل» اللعب على وتر القبيلة خطر، التمجيد للفرد «شيخ القبيلة» خطر، الانتقاص من قدر القبائل الأخرى خطر، رموز وأرقام ظهرت في المنتديات وانتشرت بين الشباب حتى ألصقت بأرقام السيارات ليسهل التعرف بين شباب القبيلة نفسها في حالة النزاع خطر، ضمور مفهوم الوطنية والحمية للقبيلة خطر داهم. في مقابل هذا التعصب القبلي لابد أن يقابله تعصب غير قبلي وهذا شيء طبيعي، ولكن لأن امتداد القبيلة على مساحات جغرافية في أرض الجزيرة العربية كبير أصبح التعصب لها أكثر حضورا، ولكن ما أن يبدأ طوفان العصبية فهو لا يبقي على شيء ، ولذلك وجود «مزاين الإبل» ضرورة ثقافية فكل منا له «مزاين» يحتفي بها وحضور جمالي داخله يفخر بملامسته واقعا، فكل أمة تعتز بثقافتها، ولكن الجمال في الاختلاف ألا ننظر لغيرنا أنهم الأقل، وهذه ليست مثالية مستحيلة بل هي واقع موجود من خلال نظام يطبق على الجميع، يجرم هذا الهدر المالي الرهيب في مقابل فساد تعيشه بعض مشاريعنا، ففي الستينات ميلادية مثلا كان يحرم على السود في أمريكا ركوب باصات أو دخول مطاعم البيض ولكن الآن من يحكم أمريكا هو رجل أسود من أصول مسلمة، في وقت الإسلام هو العدو الأول لبعض الطوائف في أمريكا ! هذا هو النظام والقانون مظلة الجميع. الوطن هو الرقم الأصعب في هذه التوازنات، حقيقة لابد أن يؤمن بها الجميع، إذا أردنا أن نحتفل بمهرجان النياق جميعا، ثم نستمتع بالاحتفالات الرائعة لمهرجان «كنا كدا» في قلب جدة التاريخية، هذان هما الجناحان اللذان سيحلق بهما الوطن.