عادت الفنانة التونسية الملتزمة حسناء البجاوي إلى الساحة الفنية بعد سنوات من الغياب أو التغييب المتعمّد بعدد من الأعمال الجديدة التي تتغنّى بثورة الكرامة. جملة من الأغاني من بينها «ارحل» و «صوت الشهيد» كتبتها ولحنتها وقدمتها على صفحتها في «فايسبوك» في انتظار أن تلتفت إليها وسائل الإعلام، وقد لاقت أعمالها الجديدة تجاوباً كبيراً من متصفحي الشبكة، خصوصاً لدى من كان يتابعها منذ سنوات حين كانت تقدم برنامجاً على القناة الرسمية التونسية وتختتمه في كل مرة بأغنية بصوتها، كما عرفت أيضاً بأداء بعض أغاني الشيخ إمام. تقول حسناء: «لم أعدّ نفسي لكتابة هذه الأغاني وتلحينها، فقد عشت أيام مخاض وغليان انتهت بولادة حقيقية، وليست المرة الأولى التي أكتب فيها وألحّن أعمالي الخاصة، فقد سبق وصدر لي ألبوم يتضمن 6 أغنيات كلها من تأليفي وألحاني. ورحلتي مع نصوص الأغاني بدأت بأغنية عن الأم ولم أتجاوز حينها السابعة عشرة من عمري». وحول عدم تعاملها مع شعراء تونسيين، توضح: «الحقيقة أنني لم أجد لدى شعراء الأغنية في تونس الصدق الذي يحرّك مشاعري وبالتالي يحرك مشاعر المتلقي، فالأغاني ما عدا القليل النادر لم تصاحب التونسي والتونسية في مراحل تطور أحاسيسهم ومشاكلهم وآلامهم». وتزامنت عودة البجاوي مع ثورة 14 كانون الثاني (يناير) لأنها كما أكدت لم يكن في إمكانها قبل الثورة أن تغنيّ نصاً مثل «ديغاج»، أي «ارحل» وهي الأغنية التي صورت فيها ثورة التونسي على القهر والفقر وكيف طرد الرئيس المخلوع. تقول: «حاولت في السابق أن أغني نصوصاً تعبّر عن الحد من الحريات وعن معاناة مساجين الرأي، وكان همي عدم الاكتفاء بجمهور محدود، وحتى لا أكون فنانة النخبة عملت على أن تبُثّ أغانيّ في الإذاعة والتلفزيون، ولكنني وجدت جداراً يمنع مروري، لذلك كنت أغير بعض الجمل في تلك الأغاني وأنسبها الى فلسطين مثلاً كأغنية «ساهرين» للشاعر السيد الهداجي». ولجأت حسناء أيضاً إلى أغاني الشيخ إمام خصوصاً التي وجدت فيها أحاسيس مشتركة. وظلّت سنوات بعيدة من الأضواء بعدما كانت تقدم برنامجاً ثقافياً على التلفزيون التونسي يحمل عنوان «شارع الثقافة» الذي لعب دوراً مهماً في تقريب المعلومة الثقافية من الجمهور العريض. ولا تخفي البجاوي أنها مارست هي أيضاً رقابة ذاتية وتقول: «اكتسبنا في تلك الفترة عادة سيئة وهي المراقبة الذاتية كما كنا تحت رحمة منشطي البرامج الإذاعية». وترى أنّ الظرف الآن غير ملائم بعدُ أمام الأغنية التونسية كي تنهض وتعانق الجودة، موضحة أنه في غياب شركات تونسية لإنتاج الأغنية وترويجها في تونس، يبقى الملاذ الوحيد للفنان القنوات السمعية والبصرية. وتؤكد أنّ الأغنية التي يجب أن تكون مرآةً للمتلقي التونسي تكاد تكون مفقودة، وعدا بعض الاستثناءات فالمتلقّي، في واد وأغنيتنا في وادٍ آخر، وما زاد الطين بلّة هو أن الأغاني التي فيها شيء منّا لا تُبث لأنها لا توافق ذوق المذيعين ومقدمي البرامج أو لا تتلاءم والخط الذوقي لهذه الإذاعة أو ذلك التلفزيون. وتتساءل البجاوي: «ماذا يجب أن نفعل لتبث بعض محطات الإذاعة والتلفزيون أغاني تونسية أصفها بالصادقة والمحترمة؟ لاحظت أنّ بعض الإذاعات تبث أغاني لبعض الفنانين الذين تعودت التعامل معهم 3 و 4 مرات في اليوم، خصوصاً لدى صدور ألبوماتهم، أما نحن فننتظر أن يمنّوا علينا بمرة واحدة يتيمة. فهل إنّ الأمور ستتغير؟». ودعت البجاوي القطاع الخاص لدخول ميدان الاستثمار الثقافي وتحديداً الأغنية التي ترى أنه يلزمها ثورة خاصة بها تلحق بعقول الجميع الفنان ووسائل الإعلام والجمهور. ولم تخف استياءها من بعض الفنانين الذين لم يساندوا الثورة ولو بكلمة طيبة وظلّوا مختفين الى آخر لحظة وكأنهم ينتظرون نتيجة المعركة حتى يتأكدوا من اسم المنتصر ليطبّلوا له. وتقول: «كنت أنتظر قبل الثورة بأيام وقد حمي الوطيس على صفحات «فايسبوك» وبدأ الخوف يهجر النفوس شيئاً فشيئاً، وحتى الأسبوع الأول بعد الثورة ظللت أنتظر ردود فعل مساندة للثورة حتى بكلمة تشجيع أو إشارة صغيرة يطل بها الفنانون الذين كانوا يحتلّون الإذاعات والشاشات وصفحات الجرائد وممن كانوا يتمتعون بكل الامتيازات من النظام المستبد، ولكن غالبيتهم التزمت الصمت». وتضيف: «بعد صمت رهيب أثناء الثورة، ها هم يسترجعون مجدهم وتساعدهم في ذلك علاقات ما قبل الثورة».