كائنات صغيرة أشبه بالحشرات، وأخرى كبيرة خجولة ومسالمة، وجوه بشرية بأجسام حيوانية، وبشر تائهون بين هذا وذاك، مشاهد مفعمة بالدهشة والخيال، وثمة رسومات وزخارف نباتية تربط بين معالم اللوحات. ومن هذه العناصر والمفردات المرسومة تتشكل معالم ثقافة مغايرة. لها طعم مختلف. إنها أعمال الفنانة الكورية كيم هيون جو المعروضة حالياً في «أتيليه القاهرة» حتى السابع من أيار (مايو) الجاري. داخل القاعة تجلس هيون التي تزور القاهرة للمرة الأولى، تستقبل زائريها بملامح وجهها الآسيوي وابتسامتها العريضة المرحبة والممزوجة ببعض الكلمات العربية المتعثرة، لتشيع جواً من الألفة. يقام المعرض تحت عنوان «من داخلي» ويضم مجموعة من اللوحات رسمتها هيون أثناء إقامتها مدة ثمانية أشهر في مدينة الفيوم بدعوة من الفنان المصري محمد عبلة كنوع من التعاون الثقافي، وهو أحد أهداف النشاط الثقافي الذي تضطلع به مراسم الفيوم. هذا المشروع الفني الذي أسسه عبلة على بعد نحو مئة كيلو متر جنوبالقاهرة، ليستقبل أعمال فنانين مصريين وأجانب على مدار العام. ويأتي المعرض بعد شهور من إقامة الفنانة الكورية في مصر ومشاركتها في عدد من الفعاليات المختلفة، منها سمبيوزيوم التصوير في مدينة الأقصر. تتميز أعمال هيون بالعفوية والتلقائية في التعامل مع درجات اللون وتوزيع العناصر على مساحة اللوحة، وقدرتها أيضا على الخلق والإبتكار والتعامل مع مخزون الذاكرة، وتوظيف كل ذلك في سياق خيالي يعكس رؤيتها للأشياء من حولها. هي ترسم على الورق الأبيض، ولا تتوقف عند خامة بعينها، بل تتعامل مع كل ما هو متاح بين يديها في تشكيل عناصرها. أعمالها أقرب ما تكون إلى رسوم الأطفال، وتحمل في طياتها قدراً من البراءة والخيال يدفعك إلى معاودة تأملها أكثر من مرة. والفنانة الكورية لا تحب الحديث عن أعمالها كما تقول، حتى لا تلزم المتأمل لها برؤية بعينها. هي تفضل الاحتفاظ لنفسها بوجهة نظرها ورؤيتها الخاصة لتلك الأعمال، حتى تترك للمشاهد متعة الاكتشاف والتأمل. تقول هيون معلقة: «الناس يأتون إلى معرضي للاستمتاع بهذه الأعمال. ومن الظلم أن أدعوهم إلى مشاهدتها أو الاستمتاع بها على طريقتي أو وفقاً لما أراه أنا. الأفضل أن أترك المجال لهم لاكتشاف هذا العالم من دون توجيه أو تدخل مني». السفر هو أكثر ما تحبه هيون. وهي زارت الكثير من مدن العالم لكنها تستقر منذ خمس سنوات تقريباً في مدينة نيودلهي في الهند حيث درست فن الغرافيك. وهناك أيضا التقت عبلة فدعاها إلى الإقامة في مراسم الفيوم. يضم المعرض أكثر من أربعين لوحة بعضها رسمته هيون في محترفها في الهند، أما بقية الأعمال فأنجزتها أثناء إقامتها في مراسم الفيوم. وهي ترى أن تجربتها في مصر لا تنسى، ليس فقط لأنها مكان جديد عليها، أو لأنها اكتسبت هنا الكثير من الأصدقاء، كما تقول، بل أيضا لأنها عاصرت الثورة المصرية. وعلى رغم وجودها في مصر في تلك الأيام، فإنها لم تشعر بالخوف أو الرغبة في العودة إلى الوطن، كما تقول. كانت تريد البقاء ومتابعة ما بدأته. كانت تشعر بالسعادة لأنها رأت الناس وهم يحاربون من أجل الحصول على حريتهم. فالحرية على حد قولها «شيء يستحق التضحية من أجله». سألتها: وماذا كنت تفعلين في هذه الأثناء؟ فردت ضاحكة: «كنت في الفيوم منهمكة في الرسم إلى أبعد مدى. ولأننى انفعلت بالأحداث، كما انفعل بها غيري من الفنانين المقيمين هناك، فقد أنجزت عدداً من اللوحات عن الثورة المصرية أعرض اثنتين منها في هذا المعرض». اللوحتان اللتان تشير إليهما هيون، إحداهما تمثل طوفاناً من البشر يخرجون من العدم ويحلقون في الهواء كالملائكة ليشكلوا دوامة كبيرة من الأجساد العارية تقتلع في طريقها كل شيء. أما اللوحة الأخرى فهى لفتاة ملونة بألوان قوس قذح ترفع راية النصر.