رجحت أجواء التلاقي والحوار والتهدئة من جانبي المعارضة والأكثرية الجديدة، في اليوم الثاني لصدور نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية التي جاءت لمصلحة تحالف قوى 14 آذار والمستقلين بالتنافس مع قوى 8 آذار المعارضة التي بقيت في موقع الأقلية. وإذ ظللت هذه المواقف أمس استمرار ردود الفعل المرحبة بديموقراطية الانتخابات النيابية من عواصم عالمية وعربية بما فيها دمشق التي أعربت عن ارتياحها الى سير العملية الانتخابية وشجعت على الروح التصالحية بين الفرقاء، فإن الأمر لم يخل من بعض الحوادث الأمنية من جانب قوى المعارضة، إذ تعرض منزل النائب باسم السبع (من قوى 14 آذار) والذي خسر المقعد الشيعي في مواجهة لائحة 8 آذار، لليوم الثالث على التوالي في الضاحية الجنوبية من بيروت لهجمات بالحجارة ولمحاولة اقتحامه فيما عائلته وعائلات أشقائه في داخله. وليلاً تعرض أحد أقرباء السبع للضرب المبرح في منطقة برج البراجنة من مجموعة حزبية. وكانت سيارة الزميلة في جريدة «الشرق الأوسط» سناء الجاك تعرضت فجراً الى اعتداء. وفي وقت طلب الحزب التقدمي الإشتراكي الذي يتزعمه النائب وليد جنبلاط من مناصريه وقف الاحتفالات بالفوز، حصلت حوادث متفرقة بين أنصار «حزب الله» وآخرين من قوى 14 آذار في مناطق في الضاحية الجنوبية والجبل. وواصل زعيم تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري الذي خرج بأكبر كتلة نيابية من الانتخابات (34 نائباً) سياسة الانفتاح التي بدأها في خطاب له فجر أول من أمس، فقال ل «الحياة» تعليقاً على خطاب الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله الذي أعلن فيه تقبله للنتائج وأشار الى التلاقي وتحدث عن ترك مسألة سلاح المقاومة لطاولة الحوار الوطني، «انه خطاب إيجابي ومنفتح». وأضاف الحريري: «نحن مددنا اليد للجميع (في خطابه ليل الأحد - الاثنين) لأننا نعتقد أننا يجب أن نتلاقى في مكان ما. وجميعنا، ان كانت قوى 14 آذار أو قوى 8 آذار، علينا أن نسمع أصوات بعضنا بعضاً. ألم تنزل هذه الأصوات في صناديق الاقتراع ويجب علينا احترامها؟ من هذا المنطلق نحن نرى ضرورة التلاقي لنعمل معاً من أجل مصلحة لبنان. وهذا الانتصار لقوى 14 آذار ليس موجهاً ضد أحد، إنه لمصلحة البلد والاستقرار». وسألت «الحياة» الحريري عما إذا كان لدى قوى 14 آذار خطة للتعاطي مع الاستحقاقات المقبلة سواء بالنسبة الى رئاسة البرلمان والحكومة وتشكيلها والأحجام فيها، فأجاب: «قوى 14 آذار تعمل على الخطة لبلورتها الآن. وسنجتمع لنقرر في شأنها». وعما إذا كان ترشيحه لرئاسة الحكومة قد حسم قال: «هناك شخص واحد يحدد من هو رئيس الحكومة هو سعد الحريري وطبعاً بالتشاور مع الحلفاء». وحين سئل عن رأيه في بعض التقديرات من أنه سيصعب على رئيس الجمهورية ميشال سليمان لعب دور أكبر بعد الانتخابات بعد تعذر قيام كتلة مستقلة انطلاقاً من دائرة جبيل أجاب: «إن دور رئيس الجمهورية هو دور الحكيم والحكم ودور المحافظ على الدستور. أما بالنسبة الى الكتلة، فإن كتلتي كلها لرئيس الجمهورية». وعلمت «الحياة» أن الحريري كان اتصل أول من أمس برئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد الذي قال إن الأزمة ستراوح مكانها إذا لم تقبل الأكثرية بإعطاء ضمانات أو الثلث المعطل وسأله عن سبب هذا التصريح «فيما نحن دعونا الى التلاقي والجميع يتحدث في هذا الاتجاه وأنتم تستطيعون ملاقاتنا في هذا المجال بدلاً من التصريحات التي تثير الخلافات في الإعلام». وبعث الحريري برسالة الى قيادة «حزب الله» يستفسر عن سبب تصريح رعد فجاءه الجواب: «اسمعوا كلام السيد نصر الله ليلاً» (أول من أمس). واتسعت دائرة ردود الفعل الإيجابية على خطاب نصر الله أمس بإعلان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أنه «اتسم بالإيجابية وبالوضوح» آملاً بأن يترجم الى مواقف إيجابية، بعد أن اعتبره النائب جنبلاط ليل أول من أمس في تصريح صحافي بأنه «كلام إيجابي يبنى عليه». كما دعا جعجع خصومه «التيار الوطني الحر» وحزب «الطاشناق» و «تيار المردة» الى التعاون، قائلاً: «ان لا أحد يستطيع الادعاء بعد هذه الانتخابات بأنه يمثل المسيحيين». وأبلغ رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي كان رحب بمواقف الحريري وجنبلاط أول من أمس، «الحياة» أن «سبحة مواقف التلاقي كرت وأنا كررت للرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر (يترأس بعثة مراقبة للانتخابات) حين زارني ثانية (أمس) ما قلته في مقابلة تلفزيونية الأسبوع الماضي بأن الانتخابات النيابية في لبنان مصيرية في ما يخص الدول في الخارج، أما لبنانياً فإنها ستكون وحدوية». وفي انتظار صدور موقف عن زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون الذي بلغ عدد أعضاء كتلته النيابية الجديدة 21 نائباً بينهم شيعي ودرزي، اليوم، فإن الرئيس سليمان دعا اللبنانيين الى الانفتاح المتبادل وتأكيد الرغبة في التعاون والحوار، داعياً الى تركيز العمل على المرحلة المقبلة. وتوالت ردود الفعل الخارجية الدولية والعربية على الانتخابات لليوم الثاني، في شكل غير مسبوق بالنسبة الى استحقاق محلي في بلد صغير كلبنان، وتلقى سليمان رسائل من الرئيس التونسي زين العابدين بن علي والملك المغربي محمد السادس ورئيس الوزراء البريطاني غوردن براون ورئاسة الاتحاد الأوروبي والملك الأردني عبدالله الثاني والرئيس المصري حسني مبارك فضلاً عن اتصال الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى بالرئيس اللبناني وبعدد من الزعامات اللبنانية، وركزت الرسائل والاتصالات على التهنئة بحصول الانتخابات. وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند أن التحدي الآن تشكيل حكومة تعمل على الإصلاح السياسي والاقتصادي وتنفذ القرار الدولي الرقم 1701. كما تلقى الحريري برقيات تهنئة من الملك المغربي ومفتي الديار المصرية علي جمعة، واتصالين هاتفيين من ميليباند والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، كلها للتهنئة بفوز قوى 14 آذار في الانتخابات كما أفاد بيان المكتب الإعلامي للحريري. كما تلقى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة اتصالات تهنئة من رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ونظيريه الكويتي والأردني ووزراء عرب وأجانب. وتقبّل عدد من الخاسرين النتائج أسوة بتصريحات بري ونصر الله، وأبرز المواقف المعارضة صدر في هذا السياق من الرئيس السابق عمر كرامي، ومن الموالين ميشال رينيه معوض (في دائرة زغرتا). وأعربت مصادر فرنسية مطلعة على الملف اللبناني في باريس عن ارتياحها الى فوز قوى 14 آذار «لأن هذا يسهل التعاون وتطبيق التزامات باريس - 3 والتعاون مع الجيش اللبناني». وكان لافتاً بين المواقف العربية تأكيد المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية السورية بثينة شعبان ارتياح سورية الى سير الانتخابات في شكل آمن ومستقر وحرص دمشق الدائم على وحدة لبنان واستقراره واستعدادها لمساعدته. وشجعت شعبان الروح التصالحية التي عبرت عنها مختلف الأطراف اللبنانية.