للمرة الأولى منذ إنشاء السلطة الفلسطينية بموجب اتفاقيات أوسلو عام 1994، يتحدث الرئيس الفلسطيني محمود عباس بوضوح عن إمكانية انهيار - بمعنى تفكك - السلطة، إن أصرت إسرائيل على استمرار وجودها العسكري في أراضي الدولة الفلسطينية، مُعيداً إلى الأذهان ما أفاد به نتانياهو أثناء مفاوضات أيلول (سبتمبر) 2010، من أنه يريد وجوداً عسكرياً إسرائيلياً لمدة أربعين عاماً في المنطقة المتاخمة لغور الأردن، وهو ما أعاد التأكيد عليه في آذار (مارس) الماضي، حين أكد مجدداً نيته الإبقاء على مثل هذا الوجود العسكري، على قاعدة الزعم القائل أن «حدودنا الأمنية هنا على نهر الأردن، وخط دفاعنا يبدأ هنا»! في مقابل ذلك وأمام توقف مسيرة التفاوض على المسار الفلسطيني – الإسرائيلي، يعود الإحباط ليحكم مسيرة تفاوض يجري تجميدها، ولا يبدو في أفق المستقبل المنظور ما يفيد بوجود إمكانية تحريك هذه المسيرة المتوقفة، التي يغشاها نوع من «الستاتيكو» الثقيل الوطأة مِن قِبَل طرفيها، بينما يجري التأكيد من جانب السلطة الفلسطينية على التمسك باتباع نموذج جنوب إفريقيا للتحرر من الاحتلال بوسائل سلمية، وبدعم من مؤسسات المجتمع الدولي، في حين لا يجد مسؤولو السلطة ومنظمة التحرير إلا رهانهم المتواصل على الإصرار والعزم للتوصل إلى إعلان الدولة الفلسطينية في أيلول المقبل، كبديل من المفاوضات العقيمة، على أن تشمل تلك الوسائل البديلة التوجه إلى الأممالمتحدة، ومبادرات دبلوماسية، وقرارات على غرار تعليق الاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل، وصولاً إلى حلِّ السلطة، كما ورد على لسان الرئيس الفلسطيني في مقابلته مع وكالة فرانس برس يوم 18 إبريل الجاري. في هذه الأجواء، يبدو أن ما يمكن تسميته «حرب الخطوات الأحادية»، يمكن أن تتصاعد من الآن وحتى موعد انعقاد الدورة العامة للجمعية العمومية للأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) المقبل، حيث بدأت إسرائيل تهدد بخطوات من جانب واحد، في حال واصلت السلطة الفلسطينية مساعيَها للحصول من الأممالمتحدة على اعتراف بدولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967، بعد أن كانت حذّرت مجلسَ الأمن وبعضَ الدول الأوروبية البارزة من عواقب خطوة من هذا النوع، حيث أشارت صحيفة «هآرتس» في أواخر آذار (مارس) الماضي، إلى برقية سرية بعث بها المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية رافائيل باراك إلى أكثر من 30 سفارة إسرائيلية، تتضمن تعليمات بتقديم احتجاج دبلوماسي على أعلى مستوى ممكن، ضد المسعى الفلسطيني لتحقيق اعتراف دولي بدولة فلسطينية. وقد جاءت برقية التهديد الإسرائيلية هذه في أعقاب الكشف عن وثيقة داخلية من منظمة التحرير الفلسطينية جرى تسريبها إلى وكالة الأنباء الفرنسية، تشدِّد على أن الفلسطينيين قرروا التخلي عن خيار المفاوضات لصالح خطوات أحادية الجانب في الأممالمتحدة، للحصول على اعتراف دولي بدولة فلسطينية في حدود العام 1967. ولا يبدو أن «حرب الخطوات الأحادية» يمكن لها أن تتوقف عند حد، طالما أن استعصاءات التسوية، وجمود المفاوضات، وتوقف أي مبادرات أميركية أو أوروبية أو غيرها، هي الأكثر سيادة في فضاءات المنطقة، فالطرفان الفلسطيني والإسرائيلي لا يمكنهما إلاّ التصدي إلى مخططات ومقترحات كل منهما، حتى في ظل عدم الاتفاق والانسجام الدولي على طبيعة الخطوة القادمة حتى أيلول المقبل، لا سيما وأن حراكات التغيير الجارية في الفضاء الإقليمي العربي ما فتئت تنشر ظلالها في واقع الوضع المتحرك الذي باتت تعيشه المنطقة، وقد ذهب موقع صحيفة هآرتس في 12 إبريل الماضي للحديث عن خطوات مِن قِبَل نتانياهو، لمواجهة ما أسمته «تسونامي دولي» للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وذلك من خلال ما أسمي انسحاباً من أجزاء من الضفة الغربية والقيام ببعض الخطوات السياسية. ونقل الموقع عن بعض المقرّبين من نتانياهو أنه يفكر في شكل جدي في أحد الخيارات التالية: الأول: الانسحاب من بعض المناطق في الضفة وتسليمها للسلطة، حيث ستصبح بعض المناطق (B)، كما مناطق (A)، تحت السيطرة الأمنية والسياسية الكاملة، وكذلك تحويل بعض مناطق (C) إلى مناطق (B). الثاني: مسعى من نتانياهو لعقد لقاء دولي بمشاركة إسرائيل والسلطة الفلسطينية بهدف الضغط للبدء مجدداً بالمفاوضات المباشرة بين الجانبين. الثالث: القيام بحملة سياسية ودبلوماسية واسعة مِن قِبَل إسرائيل تجاه دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وكذلك كندا وأستراليا، بهدف منع الاعتراف بالدولة الفلسطينية. هذه الخيارات تصطدم بما نقله موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإلكتروني يوم (12/4) في شأن شرخ جدي يسود العلاقات بين نتانياهو والرئيس الأميركي باراك أوباما، بسبب ما يدعو إليه الأخير من اعتراف دولي بدولة فلسطينية في حدود العام 1967، على الرغم من المساعي الإسرائيلية الهادفة إلى إحباط الجهود الفلسطينية، وكذلك بما نقله الموقع ذاته عن مصادر دبلوماسية، من أن الضغوطات السياسية الدولية ستتجدد ضد نتانياهو بعد عيد الفصح اليهودي، بعد أن منحته اللجنة الرباعية الدولية مهلة من خلال إرجاء قمتها. وقال الموقع إن دبلوماسيين حذّروا نتانياهو من أنه في حال عدم تقديمه مبادرة سياسية جديدة، فإن الدول الكبرى قد تتجه إلى الاعتراف بدولة فلسطينية في حدود العام 1967 وعاصمتها القدس. وقد ذهب كبير المعلقين في «يديعوت أحرونوت» ناحوم برنياع، إلى أن الشرخ بين نتانياهو وأوباما قد يترجَم تفادياً من الرئيس الأميركي للقاء نتانياهو خلال الشهر المقبل، على هامش المشاركة في مؤتمر «آيباك». كما تأخذ مصادر سياسية إسرائيلية على واشنطن، أنها لا تبذل أي جهد لفرملة جهود الاتحاد الأوروبي لبلورة مشروع قرار يطرحه على الأممالمتحدة، يقضي بقيام دولة فلسطينية مستقلة. وأضافت أن تبنّي الأممالمتحدة مثل هذا القرار سيعني اعتبار وجود مئات الآلاف من المستوطنين في الضفة الغربيةوالقدس انتهاكاً للسيادة الفلسطينية، فيما سيعتبر بقاء الجيش الإسرائيلي في هذه الأراضي خرقاً للقانون الدولي. وكان قد سبق لنتانياهو أن أبلغ الإدارة الأميركية رفضه حسم مسألة الحدود، كونها مسألة المساومة الرئيسة في المفاوضات، ولا يمكن التخلي عنها مسبقاً، على أن إعلاناً بالاعتراف بحدود العام 1967 حدوداً للدولة الفلسطينية العتيدة، يعرِّض أمن إسرائيل إلى الخطر، ومن شأنه أن يسقط حكومته. كما أن خشية نتانياهو من انتقاد أميركي عنيف على مواصلة البناء في المستوطنات، هي التي حالت إلى الآن دون إقرار اللجنة اللوائية للتنظيم والبناء في القدس التابعة لوزارة الداخلية بناء 2500 وحدة سكنية جديدة في أربع مستوطنات. وبذا، فإنه في ظل تخلّع طاولة المفاوضات، ومماطلة نتانياهو في عرض مقترحات خطته للتسوية، مما لا يُشبع ظمأ السلطة الفلسطينية أو يستجيب لتطلعاتها في إقامة دولتها في حدود الرابع من حزيران، من دون سيادة وفق نتانياهو وبسيادة كاملة وفق السلطة، تتواصل «حرب الخطوات الأحادية» من جانب الطرفين، في مسار طويل من حوار الطرشان، الحوار الذي لا يُقنع أحداً، حتى في ظل مفاجأة تقول على لسان نتانياهو «إننا ننسحب قليلاً لنكسب كثيراً»!! في رهانٍ على تلقائيةِ ردِّ فعلٍ فلسطيني يرفض الجزء لمصلحة الكل، ويطالب بكل شئ، ولم يعد يتفّهم أسباب هذا الفتات الذي يحاول نتانياهو رميه بين الحين والآخر، فالتنازل الذي يعنيه ب «الانسحاب القليل» لا يتعدى كونه عودة السيطرة الفلسطينية إلى مناطق هي بالأساس يجب أن تكون تابعة للسلطة وفق أوسلو، مقابل خسارة غور الأردن، كبوابة للسيادة الفلسطينية في الحدود مع الأردن. هي - الخطوات الأحادية - حربُ طرشان، تمنع اليمين المتطرف من محاولة التأقلم مع ثورات الشعوب العربية وتحولاتها الإقليمية والدولية وتقديم مشروع تسوية يرضي السلطة الفلسطينية ويقدم لها مشروع دولة سيادية، في وقت يتحدث نتانياهو عن وجود عسكري يستمر لأربعين عاماً مقبلة في غور الأردن، وهو ما يُعَدّ مانعاً طبيعياً وسياسياً أمام تحقيق حلٍّ سيادي لدولة فلسطينية مُنتظرة في أيلول (سبتمبر) المقبل. * كاتب فلسطيني