منذ أعلن الفلسطينيون رغبتهم في التوجه للأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطين كان رد الفعل الإسرائيلي غاضبًا جدًا، ومهددًا وعدوانيًا، خوفًا من اعتراف دولي يكرس بما لا يدع مجالًا للشك حقيقة الوجود الفلسطيني على الأرض وهو ما سعت إسرائيل طويلًا لمحوه سواء عبر الاحتلال أو التهجير أو الاستيطان المستمر، كما أن الحصول على الاعتراف بالدولة الفلسطينية من المنظمة الدولية سيكون دون أن تدفع فلسطين الثمن الذي تريده إسرائيل والمتمثل في التنازل عن حق العودة والقدس عاصمة لفلسطين والسيادة على الحدود التي ترغب بأن تبقى في يدها. وبدأت ردود الفعل الإسرائيلية محاولة لعب ورقة «الإرهاب الفلسطيني» كي تحبط التوجه للأمم المتحدة حيث قالت الحكومة الإسرائيلية: إن ذهاب الفلسطينيين إلى الأممالمتحدة أخطر عليها من حماس، حيث قال وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان: إن الفلسطينيين يريدون دولتهم الخالية من اليهود أي أن الفلسطينيين لا يرضون ببقاء المستوطنات، في محاولة من ليبرمان لجعل المستوطنات «ضحية». وواصلت إسرائيل حملتها وادعاءاتها بأن هذا القرار الفلسطيني سيشكل تهديدًا خطيرًا لإسرائيل ويشكل انتهاكا للالتزامات التي قطعها الفلسطينيون على أنفسهم في اتفاقاتهم الموقعة مع إسرائيل. فقد قال وزير المالية الإسرائيلي يوفال شتاينيتز الخميس: إن طلب انضمام دولة فلسطينية إلى الأممالمتحدة في سبتمبر الجاري يشكل تهديدًا لإسرائيل أشد خطورة من التهديد الذي تشكله حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة. وأضاف الوزير الإسرائيلي الذي ينتمي إلى حزب الليكود اليميني في تصريحات للإذاعة الإسرائيلية أن الخطوة التي سيقدم عليها الفلسطينيون هذه لن تبقى بدون رد من إسرائيل. أما بنيامين نتانياهو رئيس وزراء إسرائيل قد أكد في بيان صادر عن مكتبه أن طلب الفلسطينيين بانضمام دولتهم إلى الأممالمتحدة والذي وصفه بالأحادي، يشكل انتهاكا للالتزامات التي قطعها الفلسطينيون في اتفاقاتهم الموقعة مع إسرائيل. وأضاف نتنياهو، بحسب بيان لمكتبه: إن «الطلب الأحادي للفلسطينيين يشكل انتهاكا للالتزامات التي قطعها الفلسطينيون في اتفاقاتهم الموقعة مع إسرائيل». من جانب آخر، قال السفير الإسرائيلي لدى الولاياتالمتحدة مايكل اورين: إنه في حال مضى الفلسطينيون قدمًا في مسعى الاعتراف بدولتهم بالأممالمتحدة في شهر سبتمبر الحالي فسوف يعرض ذلك للخطر اتفاقيات السلطة الفلسطينية الثنائية مع الولاياتالمتحدة وإسرائيل . وقال اورين -في تقرير نقلته صحيفة «يدعوت أحرونوت» الإسرائيلية على موقعها الإلكتروني- «لدينا الكثير من الاتفاقيات مع السلطة الفلسطينية.. وليس لدينا اتفاقيات مع «حكومة لفلسطين» مضيفا بقوله: «إن ذلك يضعنا في واقع مختلف.. وسيجعل الاتفاقيات الاقتصادية غير صالحة بما في ذلك الاتفاقيات الخاصة بالتصدير والاستيراد واقتسام المياه وكذلك اتفاقيات التعاون الأمني». وشدد السفير الإسرائيلي على أن الاتفاقيات الفلسطينية مع الولاياتالمتحدة تتعرض أيضًا للخطر مشيرا إلى أن الولاياتالمتحدة موقعة على اتفاقيات أوسلو وسوف يقوض ذلك بشدة تلك الاتفاقية وأن الخطوات أحادية الجانب سيكون لها تداعيات قانونية واقتصادية بالنسبة لنا وبالنسبة لأمريكا كموقع على الاتفاقيات» . وفي معرض تعليقه على مساعي اللجنة الرباعية الخاصة بالشرق الأوسط لدفع الجانبين إلى العودة للمفاوضات من خلال إصدار بيان من شأنه أن يؤكد إسرائيل كدولة يهودية ويحسم مسألة دولة فلسطينية في حدود 1967 مع تبادلات أراضى متفق عليها قال أورين: «إن ذلك المسعى لن يحل المشكلة ..وليس ثمة ضمان حتى في حال نجاح أعضاء الرباعية في طرح موقف مشترك حول المفاوضات أن يحول ذلك بأي سبيل دون اعتزام الفلسطينيين في إعلان أحادى الجانب لدولتهم» مضيفًا بقوله: «إن إسرائيل وواشنطن تعملان لأهداف مماثلة ومتفقتان في وجهات النظر حول ذلك الموضوع». أما وزير البنية التحتية الإسرائيلي عوزى لانداو فقد هدد السلطة الفلسطينية بإلغاء كافة الاتفاقيات الإسرائيلية معها إذا ما تم تمرير قرار بالاعتراف بإقامة دولة فلسطينيةبالأممالمتحدة. وذكرت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية في تقرير لها أن لانداو قال بأنه يتعين على إسرائيل قطع كافة علاقاتها مع السلطة الفلسطينية، وأعلن لاندوا أنه في حالة تمرير هذا القرار في الأممالمتحدة فإن الشيء المهم سيتمثل في تراجع فرص إجراء مفاوضات السلام وتأجيلها لسنوات. وصرح لانداو أنه لا يعلم شيئًا عن أجراء مناقشة داخل مجلس الوزراء حول كيفية رد إسرائيل على قرار الاعتراف في حالة تمريره ولكن توصيته سوف تتمثل في أنه يتعين على إسرائيل أن توضح جليًا أن كافة الاتفاقيات السابقة مع الفلسطينين ملغية وغير صالحة؛ نظرًا لأنه بالذهاب إلى الأممالمتحدة سيلغى الفلسطينيون اتفاقات اوسلو التي تنص على ضرورة تحديد الوضع النهائي للأراضي من خلال المفاوضات. وأكد ضرورة إعلان إسرائيل سيادتها على الكتل الاستيطانية الكبرى وغور الأردن، مؤكدًا أنها مناطق داخل نطاق إسرائيل. وبرلمانيًا أعربت لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست الإسرائيلي عن اعتقادها بأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة المتوقع في الأممالمتحدة سيزيد من وضع إسرائيل في الحلبة الدولية سوءًا، ومن شأنه أن يؤدي إلى حالة تصعيد متواصل. وقالت اللجنة، في تقرير لها أورده راديو «إسرائيل»: إن جهازي الموساد والأمن العام وهيئة الاستخبارات العسكرية تعتقد بأنه لو كانت عملية سياسية قد بدأت لكان من الممكن وقف التحرك الفلسطيني في الأممالمتحدة. ورجح التقرير نجاح الاستراتيجية الفلسطينية في هذا المجال من خلال اعتراف الجمعية العمومية للأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية المستقلة في سبتمبر المقبل، محذرًا من أن فقدان السيطرة على الأوضاع في الأراضي الفلسطينية قد يكون سريعًا. وأشار التقرير الذي أعده طاقم برئاسة عضو الكنيست يوحنان بلاسنر من كتلة كاديما، إلى أنه لا توجد معلومات تشير إلى استعدادات للقيام بأعمال عنف بتوجيه من قيادة السلطة الفلسطينية. أما صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية فقد نقلت عن مصادر أن «السفير الإسرائيلي لدى الأممالمتحدة رون بروسور بعث برسالة سرية إلى وزارة الخارجية أكد فيها أن إسرائيل ليس لديها أي فرصة لمنع صدور قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة يعترف بدولة فلسطينية مستقلة». وأضافت الصحيفة أن «الرسالة التي بعث بها بروسور حملت عنوان «تقرير من الجبهة الأمامية في الأممالمتحدة» وقدم خلاله السفير الذي وصفته الصحيفة بأنه أحد أكثر الدبلوماسيين الإسرائيليين خبرة توقعًا متشائمًا للغاية حول قدرة إسرائيل على التأثير على نتائج التصويت بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة من الجمعية العامة للأمم المتحدة». وبحسب الصحيفة فقد ذكر بروسور في تقريره أن «أقصى ما نأمل في الحصول عليه خلال التصويت في الأممالمتحدة هو امتناع مجموعة من الدول عن التصويت أو عدم حضوره». وتابع بروسور إن «هذا التقييم يستند إلى أكثر من 60 لقاء عقدها خلال الأسابيع القليلة الماضية مع نظرائه في الأممالمتحدة»، مؤكدًا أن «عددًا قليلًا من الدول سوف يصوت ضد المبادرة الفلسطينية لانتزاع الاعتراف بدولة مستقلة من الجمعية العامة».