الاصطفاف الأممي خلف الرياض برهان على هيبة براعة القيادة    لينة التاريخية تتوشح بالأعشاب الموسمية والشجيرات    الرياض واشنطن عنوان العالم    مستشفى بيش العام يتصدر مستشفيات المنطقة في فئة 100–300 سرير محققًا المركز الأول في برنامج «وازن»    انتصار مهم    الهلال يتغلّب على الفتح بثنائية في دوري روشن للمحترفين    تسجيل هزة أرضية في شمال غرب حرة الشاقة بلغت قوتها 3.43 درجات    وزير الخارجية يلتقي رئيس وزراء فيتنام    شاحن الصحة النفسية    مبادرة عون.. تموضع لبنان بالمسار العربي    السرقة تحت غطاء المقدس    الموروث ضرورات التجديد وتحديات التشويه    الملك وولي العهد يعزيان ملك البحرين في وفاة الشيخ إبراهيم بن حمد آل خليفة    القيادة تهنئ رئيس لبنان بذكرى الاستقلال    بيش يخطف وصافة دوري الدرجة الثالثة بفوز ثمين على الأسياح    سعودة المسلسلات الأجنبية.. خطر ناعم يخترق الأسر السعودية    G20 في جنوب إفريقيا: مقاطعة أمريكية وتحذير فرنسي حول مستقبل المجموعة    افتتاح جامع المجدوعي بالعاصمة المقدسة    تحديث «إكس» يفضح مواقع إنشاء حسابات قادت حملات سلبية ضد السعودية    السِّدر واللوز والتنضب تتصدر النباتات المحلية الملائمة لتشجير الباحة    أمير المنطقة الشرقية يدشّن غداً الأحد بحضور وزير النقل عددًا من مشاريع الطرق الحيوية بالمنطقة    المملكة تُدرِج 16 عنصرًا في قائمة اليونسكو للتراث غير المادي    صحراء مليحة بالشارقة تشهد انطلاق النسخة الثانية لمهرجان تنوير بأمسية فنية موسيقية وتجربة إنسانية ملهمة    جامعة الإسكندرية تمنح باحثا سعوديا الدكتوراه في دراسة تربط بين القلق الرقمي وإدمان التواصل    الداخلية : ضبط (22094) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    طبيب أردني: "الذكاء الاصطناعي" قد يحل أزمة نقص الكوادر في العلاج الإشعاعي    جوشوا كينغ يغيب عن مواجهة النصر والأخدود    فوز الأهلي والاتحاد والنصر والهلال في الجولة الأولى من الدوري الممتاز لكرة الطائرة    الصفا يتحدى اللواء بحثًا عن مصالحة جماهيره في الجولة التاسعة    كتاب التوحد في الوطن العربي.. قراءة علمية للواقع ورؤية للمستقبل    اتفاقية بين العوالي العقارية والراجحي كابيتال ب 2.5 مليار ريال لتصبح الأكبر في سيتي سكيب 2025    أمانة الطائف تطلق مبادرة (شاعر الأمانة) تشجيعًا للمواهب الإبداعية في بيئة العمل    الصين تطلق بنجاح قمرًا صناعيًا تجريبيًا جديدًا لتكنولوجيا الاتصالات    تراجع أسعار النفط لأدنى مستوياتها في شهر    انطلاق النسخة الأكبر لاحتفال الفنون الضوئية في العالم    افتتاح جامع المجدوعي بالعاصمة المقدسة    جوتيريش يدعو مجموعة العشرين لوضع حد للموت والدمار وزعزعة الاستقرار    نائب أمير الرياض يرعى احتفال السفارة العمانية بيومها الوطني    عيسى عشي نائبا لرئيس اللجنة السياحية بغرفة ينبع    أكثر من 100 الف زائر لفعاليات مؤتمر ومعرض التوحد الدولي الثاني بالظهران    الشيخ فيصل غزاوي: الدنيا دار اختبار والصبر طريق النصر والفرج    الشيخ صلاح البدير: الموت محتوم والتوبة باب مفتوح لا يغلق    نادية خوندنة تتحدث عن ترجمة القصص الحجرة الخضراء بأدبي جازان    تعليم الأحساء يطلق مبادرة "مزدوجي الاستثنائية"    افتتاح مؤتمر طب الأطفال الثاني بتجمع تبوك الصحي    العبيكان رجل يصنع أثره بيده    المودة تطلق حملة "اسمعني تفهمني" بمناسبة اليوم العالمي للطفل        أمير تبوك يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة نجاح الزيارة التاريخية لسمو ولي العهد للولايات المتحدة الأمريكية    بيان سعودي أميركي مشترك: وقعنا شراكات في جميع المجالا    أمير تبوك يكرم شقيقين لأمانتهم ويقدم لهم مكافأة مجزية    انطلاق النسخة ال9 من منتدى مسك.. البدر: تحويل أفكار الشباب إلى مبادرات واقعية    محافظ جدة وأمراء يواسون أسرة بن لادن في فقيدتهم    الجوازات تستقبل المسافرين عبر مطار البحر الأحمر    فلسطين تبلغ الأمم المتحدة باستمرار الانتهاكات الإسرائيلية    ثمن جهودهم خلال فترة عملهم.. وزير الداخلية: المتقاعدون عززوا أمن الوطن وسلامة المواطنين والمقيمين    أمير الرياض يستقبل سفير المملكة المتحدة    استقبل وزير الحج ونائبه.. المفتي: القيادة حريصة على تيسير النسك لقاصدي الحرمين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظبية خميس في خضم القضايا الكبيرة
نشر في الحياة يوم 24 - 04 - 2011

مجموعة الشاعرة الإمارتية ظبية خميس «الجمال العابر» الصادِرة حديثاً عن دار النهضة العربية (بيروت)، متنوعةٌ في مواضيعها (الإيمان، الموت، التصوف، الحبّ...)، كما في أشكالها (شعر ونثر). وما يميّز هذه المجموعة، هو انطلاقها من غريزة الإيمان لدى البشر، وتوقهم شبه العفوي إلى الاعتقاد بوحدانية الله، الأمر الذي تشير إليه ظبية عبر قصيدتها الأولى التي يحضر فيها أخناتون: «يا لأناشيد أخناتون/ كم يلزمنا من الصلاة على الأرض/ من أجل الأرض». قبل أن توسعه رويداً رويداً نحو الدين الإسلامي بصورته التصوفيّة، ونحو الدين المسيحي، وإن بصورة أقل «ونحن نحمل صليبنا وكأنّ المسيح للتوّ/ دُقّت فيه المسامير». وممّا لا ريب فيه أن انفتاح الشعر الحديث، عبر قوّة المجاز، على الأديان السماوية بصورة متحرّرة ومبتكرة وبعيدة من تقليدية النظرة إلى الدين، كان من أهمّ إنجازات الحداثة. ويتذكر المرء البدايات مع الشاعر اللبناني الجميل الياس أبو شبكة، ثم مع مسيح السيّاب الشهير، فغيره من الأنبياء والشخصيّات التي حضرت في قصائد أكثر من شاعر، وصولاً إلى التصوف الإسلامي، الذي راج في النصف الثاني من القرن العشرين.
تمزج ظبية في مجموعتها هذه، ما بين التصوّف والإيمان بالقدر والحكمة، وتتجنب الإشارة في شكلٍ مباشر إلى مصادر صوفية بعينها، بل إنها تتكئ على قوّة اللغة الشعرية في سبك أفكارها ذات المنبع الإيماني: «تباركَ الذي في السماء /ولا تسلْ قيصر إن وهب/جمارُ الليالي مهرها/ وفتات العيش لمن شقى» أو «كابرْ وغامرْ بالتي إن/ رشفتها ذقتَ المنية أو/وصلت الأنجمِ»، أو «خفّ الطريق فاتعظْ/ ما كلُّ نولٍ للطريق تزوّدِ/... صفرُ اليدين قد أقبلَ الفتى/ وقد كان قبل القِناصِ مثقلاً». ومن خلال هذه الأمثلة وغيرها، يمكننا أن نلاحظ اعتماد ظبية أحياناً على شكل القصيد (ذي الشطرين المقفّى)، فتنضح لغتها برجع القديم، لكنها حين تتفلتُ منه، تتغير نبرتها، لتحفّ بها أسئلة تنوس ما بين الوجودية والجبريّة - إن جاز التعبير.
ومن خلال تتالي أسئلة مشابهة في القصيدتين (21، و22)، تفتح الشاعرة سؤالاً يفصح عن إيمانها «الخاص» بالكتابة: «ما الكتابةُ، إذن/ وما الكتاب/ ولم الحروف أشدّ وطأةً/ في رسائل التكوين مما تشهده العين/ ويجيله الخلد/ وتتداوله الظنون». ومن شأن سؤالٍ كهذا أن يوّسع النظر، ليعطي الشعر والشعراء مكانةً رفيعةً، تبيّن دورهم، كما في هذا المقطع: «يا للشعراء المذهولين هؤلاء يخلطون الشعر بكل شيء، ويمضون ليغيّروا ألوان العالم وخرائطه وشراسته وحروبه ونذوره وطقوسه، خالقين أساطيرهم التي تسري بين الناس، فتضحي تاريخاً وعقيدةً وأمثولةً يختلط فيها المنحول بالناحل. جنازاتهم لا تشبه جنازات الآخرين. فالعويل فيها للأحياء لا للأموات. للفكرة وللحلم لا للإرث المفقود».
لكن ظبية، وفي خضم تتالي الأسئلة المتعلقة بالوجود والإيمان والكتابة، المتشابكة على سرير قصيدتها، تفقد أحياناً بوصلتها الدقيقة، وبذا تميل قصيدتها نحو ما يشبه الذكر والأدعية الدينية، وتبتعدُ عن الشّعر: «ترنّمْ باسم الذي خُلقت من أجله/ وصلِّ وسلّمْ على نقاط النور في حلكة الطريق». ولا ينقذها إلا أحد أساسات الذكر والأدعية الدينية، أي ردّ الشعور بالظلم من خلال الكلمات المشوبة بالإيمان. فثمة قصائد تتكئ فعلاً على هذه الأسس، وتبدو عند القراءة مُحمّلةً بالمعاني وفقاً لأهواء متلقٍ يتابع بشغفٍ أخبار الثورات العربيّة: «إن السفيهَ للسفيه حبيبُ/تطاولوا في البطش والعمران/ وجيوبهم قد عُمّرت بالآثام». ولعله يرى في هذه القصيدة لسانَ حال الذين ثاروا في وجه الذلّ والظلم. الأمرُ الذي يفتح قوسين لفكرتين: تتعلّق الأولى بدور المتلقي في القراءة، وحريّته في تأويل القصيدة، ورفدِ طرق معانيها بما يفكر فيه سرّاً أو علانيةً، وهو ما ينجح حال كانت القصيدة قادرةً على أمرين: التماهي بين «أنا» الشاعر و «أنا» المتلقي من جهة، وخروج القصيدة من زمن كتابتها من دون أن تنقطع عنه تماماً من جهة ثانية، قصائد ظبية كُتبت جلّها في عامٍ سابقٍ للثورات (2008)، بيد أنّ استنادها إلى موضوع الإيمان كنافذةٍ لردّ الظلم والقهر، سمح لها أن تطير من زمن كتابتها إلى الحاضر. ما يحيلنا إلى الفكرة الثانية؛ فهذه تتعلّق بدورها، بمواضيع الشّعر الكبرى، (الحبّ، الموت، الوجود، الخ) أي تلك المواضيع التي لا يصيبها التقادم مهما تكرّرت، إذ إنها تتكئ بالضبط على شعور المرء بإنسانيته من خلال كلمات القصيدة.
يحضر الموت بكثافةٍ في مجموعة ظبية خميس، ليكون متوارياً في نصفها الأوّل تحت غلالة التصوّف والإيمان، ثمّ واضحاً في نصفها الثاني عبر مجموعة من المرثيات المهداة إلى (محمود درويش، مي غصوب، وغيرهما)، وفيها تختار ظبية الجانب المشرق للموت، إن صح التعبير، حيث يبدو الراحلون في أماكنهم ما برحوا يزاولون الحياة: «في محنة الحياة يمشي متجنباً آلامَها/ وفاتحاً ذراعيه/ لأمانيه القادمة».
دأبُ ظبية كدأبِ شاعراتٍ عربيّاتٍ غيرها، ينسين في خضمّ المواضيع الكبرى، والمواضيع الرائجة، ذواتهن. لكأن الحداثة حرّرت حقّهن في الكلام من جهة، ثمّ مارستْ عليهن دوراً سلطوياً من جهة أخرى، قِوامه طائفةٌ من القواعد شبه المقدّسة التي تشيرُ إلى «كيفية» كتابة قصيدة حديثة، سواء أتعلّق الأمر بالخيارات الفنيّة والتقنية، أم بالمواضيع الرائجة (الجسد مثلاً). والمقام لا يتسعّ هنا للإفاضة في الحديث عن شاعرات الحداثة العربيّة، لكنها إشارة للإشادة بالقسم الأخير من مجموعة ظبية، وتحديداً بقصائد الحبّ التي تكتبها، فهي تحرّر عبر الحبّ - كموضوع كبير - قدرتها في التعبير عن ذاتها بعيداً من السائد عن نظرة الأنثى إلى نفسها، من دون أن تتخلى البتة عن حقّها بإشهار تميّزها الأنثوي، والأهم نظرتها إلى ذاتها.
تبدو ظبية من خلال هذه القصيدة وغيرها في القسم الأخير من المجموعة، مكتفيةً بذاتها، واثقةً من التقاء أفكار قصيدتها مع أفكار المتلقي، إذ إن نظرتها إلى ذاتها امتلأت بالنضج من بعدما سارت في درب الإيمان والتصوّف، وطرحت أسئلة وجودية، وعدّت الحياة والموت وجهين لشيء واحد مختلفٍ ومؤتلفٍ في آن معاً، ثمّ إنها لم تظلم نفسها، وتخضعها لخيارات سائدة رائجة، بل أصغت إلى وجدانها ككاتبة قبل أي شيء، وحررت أنثى الكاتبة فيها، إذ ليس إلا ظبية التي تقول: «بي نصف كتابة/ وبعض وجع/ ... تنقصني المفردات اللازمة / وينقصني حزام الأمان/ غير أني جاهزة لالتقاط/ الوحي والغيّ والإلهام»، ويردّد القارئ معها: وأنا أيضاً وأنا أيضاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.