مع مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، تغلق صفحة من تاريخ شخصي وسياسي حافل بالمتعرجات والتقلبات والمعارك شهدها اليمن الذي يقف اليوم في مفترق طرق. كان علي صالح يدرك أكثر من غيره صعوبة حكم اليمن. وأحد أشهر مقولاته «حكم اليمن يشبه الرقص على رؤوس الثعابين» دليل على التوازنات الصعبة في ذلك البلد. وعندما تم خلعه بعد ثلاثة عقود في السلطة إثر إندلاع الثورة اليمنية 2011، لم يتوقع كثيرون أن يبقى علي صالح لاعباً في خضم التفاعلات السياسية لكنه ظل رقماً صعباً ولاعباً حاضراً حتى مقتله. ولد علي صالح في 21 آذار (مارس) 1942 في قرية بيت الأحمر في منطقة سنحان في محافظة صنعاء لأسرة فقيرة، وعانى في طفولته حياة شاقة بعد طلاق والديه وهو صغير. وفي مطلع حياته، عمل صالح راعياً للأغنام، وتلقى تعليمه الأولي في كتاب أو «معلامة» القرية. ولم يكد عمره يتجاوز السادسة عشرة عاماً عندما انضم إلى القوات المسلحة عام 1958. كان علي صالح من بين العسكريين الشباب المسؤولين عن التخطيط لانقلاب السادس والعشرين من أيلول (سبتمبر) عام 1962 وتنفيذه. وجرت ترقيته في عام 1963 إلى رتبة ملازم ثان ثم تدرج في المناصب العسكرية. التحق بمدرسة المدرعات عام 1964 ليتخصص في حرب المدرعات، وتولى بعدها مهمات قيادية في مجال القتال في التخصص نفسه. وفي عام 1975 أصبح القائد العسكري للواء تعز وقائد معسكر خالد بن الوليد ما أكسبه نفوذاً كبيراً، ومثل الجمهورية العربية اليمنية في محافل عدة خارج البلاد. وفي حزيران (يونيو) من عام 1978 عين علي صالح عضواً في المجلس الرئاسي الموقت ونائباً للقائد العام للقوات المسلحة. ثم تدرج في المناصب العسكرية والسياسية. وأصبح في عام 1982 أميناً عاماً للمؤتمر الشعبي العام الحزب الحاكم في حينه. بعد توليه مسؤولية لواء تعز، أصبح علي صالح من أكثر الشخصيات نفوذاً في اليمن الشمالي وارتبط بعلاقة قوية مع شيوخ القبائل أصحاب النفوذ القوي في الدولة. وفي 11 تشرين الأول (أكتوبر) 1979 قتل إبراهيم الحمدي وشقيقه في ظروف غامضة ثم خلفه أحمد الغشمي في رئاسة الجمهورية لأقل من سنة واحدة، ثم قتل بدوره. وبعد أقل من شهر من مقتل الغشمي أصبح علي عبدالله صالح عضو مجلس الرئاسة رئيساً للجمهورية العربية اليمنية بعدما انتخبه المجلس بالإجماع ليكون الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة اليمنية. وخلال الشهر نفسه قامت مجموعة من الضباط الناصريين بقيادة محمد فلاح والمدعومين من ليبيا بالانقلاب على علي صالح، ولكن الانقلاب فشل لانعدام الغطاء الجماهيري. أدى هذا الانقلاب إلى اعتماد علي صالح في إدارة الجيش والمؤسسات الأمنية اليمنية على المقربين من أسرته، فتسلم إخوته من أمه مناصب عسكرية مهمة، كما قرب أبناء منطقته وأدخلهم الجيش والوظائف الأساسية في الدولة، ومنح المخلصين من مناطق أخرى ومن ذوي الكفاءات والبعيدين عن الطموح الكثير من المناصب العسكرية والأمنية والمدنية. وفي يوم 22 أيار (مايو) 1990 أعلن الشطران اليمنيان قيام الوحدة اليمنية. وأصبح لكل من حزبي المؤتمر الشعبي العام والاشتراكي نصيب متوازن في السلطة. وبات علي عبدالله صالح رئيساً وعلي سالم البيض نائباً له. وشهدت السنوات الثلاث الأولى للوحدة خلافات واغتيالات سياسية طاولت جنوبيين وشماليين وحدثت توترات عسكرية ما أدى إلى حرب شاملة، انتهت بانتصار قوات علي صالح وهروب البيض إلى سلطنة عمان. وبعد نثبيت الوحدة في 7 تموز (يوليو) 1994 أصبح علي صالح رئيساً مطلق الصلاحية بعدما كان رئيس مجلس الرئاسة في تشرين الأول 1994، وعبد ربه منصور هادي نائبه. وأصبح علي صالح أول رئيس يمني ينتخبه الشعب مباشرة في انتخابات 1999. التي دخلها ضد مرشح وحيد بعدما رفض البرلمان كل المرشحين الآخرين. وفي 2003 تمّ تعديل الدستور اليمني واعتبار ولاية علي صالح هي الأولى، ما منحه الحق بالترشح لولاية ثانية مدتها سبع سنوات. وفي 24 حزيران 2006 أعلن الترشح للرئاسة مجدداً وفاز بولاية جديدة. من الصعب تلخيص إرث علي صالح. لكن الوحدة بين شطري اليمن، وتطبيع العلاقات مع السعودية الذي توّج باتفاق ترسيم الحدود بين البلدين من الإنجازات التي تحسب له. لكن سنوات حكمه كانت عاصفة وشهدت الكثير من الأزمات، وكانت أخطر أزمة واجهت صالح، هي الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1994، إذ سرعان ما اندلع خلاف بين صالح والبيض ما أدى إلى اعتكاف الأخير في عدن قبل اندلاع حرب ضارية بين قوات الشطرين الشمالي والجنوبي في صيف عام 1994، انتهت بانتصار قوات الشمال بقيادة علي صالح على قوات الجنوب بقيادة نائبه. لكن أثر الوحدة والحرب كان دامياً وطويلاً ذلك لأن «اليمن الموحد» كان منذ سنوات ميداناً لجذب قوى أهمها المعارضة الحوثية في الشمال، والجنوبيون الذين يعتبرون أن الوحدة تمت على حسابهم. وفي 2004 تعرّض نظام علي صالح إلى تمرد جماعة بدر الدين الحوثي في صعدة شمال اليمن. وخاضت الجماعة 6 حروب ضد الحكومة اليمنية أدخلت البلاد في متاهة سياسية وأمنية. ثم كان تحالف صالح مع الحوثيين وهو التحالف الذي انهار قبل أيام قليلة فكان رد فعل الحوثيين انتقامياً، بالسيطرة على مساكنه وقصف مقر إقامته ليلقى حتفه في القصف الحوثي. لم تكن سيرة صالح سوى مسلسل طويل من التحالفات ثم الانقلاب عليها. لكن تحالفه الأخير مع الحوثيين كان خاتمة تحالفاته وأنهى مسيرته السياسية وحياته.