أنهى مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، الذي تشرف عليه وزارة الشؤون الإسلامية، إجراءاته الميدانية لإطلاق تجمع هو الأكبر من نوعه في السعودية لخطاطي المصحف الشريف في العالم أجمع. وإذ حشد المجمع إمكاناته وجهوده لإطلاق «العرس القرآني» الثلثاء المقبل في المدينة النبوية، تلتقي «الحياة» أصغر خطاط للقرآن في العالم، محمد همام الشبل الذي لم يبلغ تمام ال 13 من عمره بعد. ومع أن إدارة المجمع اجتهدت في ضم المناسبة لخطاطين وخطاطات من جنسيات عدة، أتوا من 31 دولة، إلا أن أكثر ما يلفت ربما نظر المتابعين السعوديين، هو التعرف للمرة الأولى على أن نساء بلغن المنتهى في إتقان القرآن وتجاوزن مهارات التلاوة إلى خط أحرف الكتاب العزيز بأناملهن الرقيقة، وزخرفته بمهارات مذهلة، حتى إن إحداهن وهي من تركيا أعلنت بفخر كتابتها القرآن كاملاً، عبر جدول وبرنامج حافل بالسكينة والسعد الجلال. أما ضيفنا الشبل، فإن قصته مع آي القرآن حديثة، لكنها تحتفظ بخصوصية مختلفة، إذ بدأت أصابعه تنضح ببركة التنزيل، وهي غضة طرية، فما كان يعرف من هو، حتى قادته المشيئة الربانية إلى دوحة القرآن تلاوة وتخطيطاً، فكيف بدأ الشبل القرآني، وهو الذي أطلق على نفسه «سفير القرآن»؟ إذا أردنا أن نقدم الخطاط للقارئ .. ماذا يمكن أن نقول عن سيرتكم؟ - في البداية اسمحوا لي أن أتقدم بأزكى التحيات الخالصة لأمير منطقة المدينةالمنورة وإلى إدارة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف والهيئة الساهرة على إنجاح هذا الملتقى المبارك ببركة كتاب الله العزيز. أما عن سيرتي من حيث النشأة والمولد: فأنا محمد همام بن عادل الشبل من مواليد مدينة سكيكدة شرق العاصمة الجزائرية في 03 من شوال عام 1418 ه الموافق ل 31-01-1998، وعمري الآن 13 سنة وأنا طالب في السنة الثانية من المرحلة المتوسطة وأعتبر من الأوائل في الصف بفضل الله تعالى. كيف بدأت مسيرتكم مع الخط، وهل تذكرون قصة البداية تحديداً من الناحية الزمانية والمكانية؟ - نعم أذكر جيداً ولا أنسى بداية قصتي مع الخط العربي في بدايات سنة 2008 وبالضبط كنت في البيت مع أسرتي أتابع على التلفاز فعاليات افتتاح مهرجان الشارقة الدولي للخط العربي، وكنت مهتماً بالمعرض، خصوصاً وأن الشيخ سلطان القاسمي يحضره رسمياً فعجبت من اهتمام الشيوخ بهذا النوع من الفنّ كما عجبت من مشاركات الخطاطين بخاصة من نواحي العالم البعيدة. سألني أبي، ما رأيك يا همام أن تصبح خطاطاً وتشارك مع هؤلاء الخطاطين الدوليين؟ فقلت له لأول وهلة، أنا لا أعرف هذا الفن ولا أتقنه إنهم أناس محترفون، فرد علي: تتعلم وتصبح متقناً، فقلت حتى وإن أتقنت فأنا صغير لا أستطيع المشاركة مع الكبار، فقال لي: وما الغرابة ربما تكون أصغر خطاط في الوطن العربي؟ فرددت قائلاً صح ممكن. مباشرة أشار علي الوالد الكريم: ما رأيك أن تبدأ من هذا الأسبوع في تعلم الخط وسأكلم من يساعدك على ذلك؟ فلم أتردد في القبول مباشرة. ولأن في المدينة التي أسكن فيها، لا تضم معاهد متخصصة في ذلك، خصص لي الوالد غرفة خاصة في مكتبه لهذا الغرض. وبدأت منذ ذلك التاريخ في تعلم مبادئ الخط العربي، وتحديداً بدأت بخط النسخ لأنه أقرب إلى كتابة المصحف من غيره من الخطوط. الخط موهبة ومهارة وفن، منّ الله به على الإنسان، ولكنه علم أيضاً، فكيف جمعتم بين الموهبة والمهارة والعلم؟ - نعم سؤالكم في غاية الأهمية. لا شك أن الفنون بأنواعها تحتاج إلى أرضية من الإبداع والموهبة الربانية، وقد حباني الله بحب الرسم والخط والفنون إجمالاً، فلما تحظى بحب الجمال فإنك وفّقت لخير عظيم لأن الله تعالى جميل يحب الجمال، ولا بد بعد ذلك من تعلّم مهارة الخط على أصولها لتجمع بين الموهبة والمهارة، وقد يسّر الله لي ذلك أيّما تيسير، وكنت أتدرب مع المعلمة أسبوعياً ومع نفسي يومياً. ومن الذي اكتشف موهبتكم في الخط؟ وكيف تم تنميتها؟ - أول من اكتشف ذلك هو أبي - حفظه الله - منذ سن صغيرة، إذ ظهرت عليّ بوادر فكرية وسلوكية تنم عن تعدد المواهب، ففكّر أبي في توجيه هذه المواهب في ما يرضي الله تعالى. وتمت تنميتها عن طريق تحبيب الفن والإبداع والتجربة، وعن طريق التحفيز أيضاً والمدح والثناء اللذين كانا خير وسيلة لإظهار مهاراتي الشخصية وتعزيز ثقتي بنفسي، خصوصاً أن فن الخط العربي لا يُقبل عليه الصغار في مثل سني. إذ بدأت التعلّم وأنا ابن 9 سنين. هل تذكر أول لوحة قمت بكتابتها؟ - نعم كانت بتاريخ 15-04-2009 وكانت أول مشاركة لي في يوم العلم، وكانت في معرض مدرسي. إذ كتبت صفحتين متقابلتين من فواتح سورة الفتح كما هي في ترتيب مصحف المدينة. وكانت حافزاً قوياً لي لكتابة المصحف الشريف، إذ أعجبني خطي جداً وتيقنت أنه ليس من المستحيل كتابة المصحف الشريف. رحلتكم في كتابة القرآن الكريم متى بدأت، وكيف؟ - بدأت في كتابة ما تيسّر من صفحات المصحف في شكل وريقات واستعملتها في مشاركاتي في المعارض داخل الدولة. هل كنتم تحلمون يوماً بكتابة القرآن الكريم؟ - ومن الذي لا يحلم بهذا الشرف العظيم؟ هل كنت تعرض ما تخطه من المصحف على آخرين؟ - نعم قمت به ومازلت كذلك، وطبعاً على بعض الخطاطين في الوطن، إذ يسافر بي والدي لرؤيتهم وسماع نقدهم وتصحيحاتهم. ماذا تعرفون عن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف؟ - بحسب علمي وبحسب ما يخبرني به والدي مجمع الملك فهد هو سفير كتاب الله بكل بساطة وكفى بهذا شرفاً. يؤدي خطاطو المصحف الشريف عملاً إسلامياً جليلاً، كيف يمكن إبراز الرسالة التي يحملها خطاطو المصحف؟ - سؤالكم مهم للغاية وأريد الإجابة عنه في شقين اثنين: الأول، علينا جميعاً نشر ثقافة الخط العربي بكل ما أوتينا، خصوصاً في مثل هذه التظاهرات، وعلى الإعلام بكل وسائله المساعدة. الثاني: بصفتي خطاطاً صغيراً في طريقي إلى الاحترافية أغتنم الفرصة لأعبّر عن همي وأحد أكبر التحديات التي واجهتني، وهي أنه لا توجد فئة صغار الخطاطين ضمن الملتقيات والمعارض الدولية، تجدها فقط مختصة بالكبار والمحترفين. لذا أسمح لنفسي أن أكون سفيراً لإخواني الناشئين والناشئات من الخطاطين، وأطالب الجهات المهتمة بالثقافة بتخصيص أجنحة خاصة لمعرض وخطوط الصغار والتجوال بها عبر العالم الإسلامي والغربي، حتى نكون سفراء لكتاب الله، وتعم رسالة الإسلام العالم.