بعد 22 عاماً على عرضه الأول على الشاشة الصغيرة، تشهد إعادة مسلسل «البراري والحامول» على شاشة «نايل دراما» إقبالاً من الجمهور المصري ربما لغوصه في الدراما الإنسانية التي تميل إلى التراجيديا وابتعاده من حالات العنف والبلطجة والمخدرات والقتل والحركة والغموض والتشويق والإثارة، والتي سيطرت منذ قيام ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 على غالبية موضوعات المسلسلات المطروحة. المسلسل من بطولة إلهام شاهين ومصطفى متولي ومحمد عوض وسيد زيان وسعد أردش وجمال إسماعيل وحسن مصطفى وأسامة عباس وصبري عبدالمنعم وصفاء السبع ومحمد التاجي وفاروق فلوكس وسلوى عثمان وإخراج حسين عمارة عن قصة وسيناريو وحوار سمير عبدالعظيم، الذي اشتهر بتحويل مسلسلاته الإذاعية الشهيرة إلى مسلسلات تلفزيونية أو أفلام سينمائية أو الاثنين معاً، ومنها «أفواه وأرانب» و «الصبر في الملاحات» و «كل هذا الحب» و «لست شيطاناً ولا ملاكاً» وغيرها. واللافت أن المسلسل الذي أنتجه قطاع الإنتاج في التلفزيون المصري وعرض عام 1995، متطرقاً إلى كثير من القضايا في المجتمع المصري في تسعينات القرن العشرين، يعد واحداً من الأعمال القليلة في الدراما المصرية التي خرجت من دائرة أجواء القاهرة التي استحوذت على نصيب الأسد من موضوعات المسلسلات، إذ اتخذ من محافظة ريفية «كفر الشيخ» التي تقع على ساحل البحر المتوسط أقصى شمال دلتا مصر، محوراً رئيساً لحوادثه التي دارت حول «زاهية» الفلاحة البسيطة التي تتميز بالذكاء الفطري، والتفاني في مساعدة زوجها، والقدرة على متابعة دروس أولادها وتفوقهم، على رغم عدم حصولها على أي مؤهل دراسي، وتربطها علاقة حب بجميع من حولها، نظراً الى أنها إنسانة طيبة ومكافحة، وتتولى إلى جانب بيتها رعاية شقيقتها ووالدها الكفيف، وتتزوج من مدرس ابتدائي طموح ومتمرد، يحلم بالعمل في المحاماة، ويتحقق له ما يريد بعدما يحصل على ليسانس الحقوق، لكنه يطلقها ويحرمها من رؤية أولادها الثلاثة، وتتحدى ظروفها الصعبة وتعلم نفسها بنفسها. ولا تكتفي بذلك بل تقوم بترشيح نفسها لعضوية البرلمان، وتتمكن من النجاح على رغم الصعوبات التي تواجهها، وتحالف طليقها مع أصحاب المال والنفوذ والسلطة ضدها، معتمدة على حب الناس في الوصول إلى البرلمان. وكان المسلسل فاتحة خير على إلهام شاهين في الدراما التلفزيونية، إذ كان أول بطولة مطلقة لها فيها، بعد انحسار السينما عنها وعن بنات جيلها، ومشاركتها بين نجوم كثر في مسلسل «ليالي الحلمية»، والذي حلت فيه بدلاً من آثار الحكيم في دور «زهرة» ابنة العمدة «سليمان غانم» الذي جسد دوره صلاح السعدني. واللافت أن سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة التي قامت ببطولة المسلسل ذاته حين كتبه وأخرجه سمير عبدالعظيم لإذاعة الشرق الأوسط وأذيع عبر أثيرها خلال شهر رمضان عام 1991، كانت وراء ترشيح شاهين لدورها في المسلسل التلفزيوني، وذلك بعد اعتذارها عنه بعد ترشيحها له بسبب مرضها. واعتبرت شاهين هذا الترشيح شرفاً كبيراً لها، وكشفت وقتذاك عن أن حمامة كانت وراء دخولها عالم الفن بسبب جملة قالتها لها في إحدى الحفلات، وفتحت لها كل الأبواب، وهي: «أنت تشبهينني جداً». وقالت أنها كانت تنتقدها بشدة حال تقديمها عملاً سيئاً، وفي المقابل تشيد بها عند تقديم عمل جيد. وكان المسلسل فرصة كبيرة أيضاً لمصطفى متولي في تجسيد شخصية الزوج «عبدالرازق» بعدما تم حصره طويلاً في شخصيات ثانوية ومساعدة، خصوصاً في أفلام شقيق زوجته عادل إمام. كما قدم محمد عوض شخصية «عمدة» القرية التي دارت فيها الحوادث في شكل جيد وجديد، وبرع جمال إسماعيل في تجسيد شخصية والد ابنته «زاهية» الكفيف الذي يقوم بإصلاح الساعات وبعض الأجهزة الكهربائية. وكان المؤلف أكد مراراً أنه استلهم الشخصية من شخصية حقيقية يعرفها، وشكل العمل نقلة نوعية في أعمال مخرجه حسين عمارة الذي كان أخرج قبله مسلسلات «القناع الزائف» لحسين فهمي وميرفت أمين، و «صابر يا عم صابر» لفريد شوقي وكريمة مختار، و «البخيل وأنا» لفريد شوقي وكريمة مختار وحسن مصطفى ووائل نور. وواضح إصرار المخرج على التجويد والحرص على إعادة المشاهد أكثر من مرة لضمان ظهورها في أبهى صورة لها، على رغم صعوبة التصوير، خصوصاً في المشاهد الخارجية التي استلزمت سفراً طويلاً إلى بحيرة البرلس ومنطقة البراري في شمال محافظة كفر الشيخ.