حمل شيوع عادة العناق في الثانويات الاميركية الطلاب على تقسيم العناق الى أنواع: عناق الاصدقاء البسيط، وهو الاكثر رواجاً، وعناق الدببة، وعناق مخالب الدببة، وعناق يبدأ بصفق اليدين، وينتقل الى التقاء القبضتين، ثم ينتهي بلطمة على الظهر وعناق، وعناق يبدأ بالمصافحة والانحناء، وعناق من الخلف، والعناق الثلاثي، أي معانقة ثلاث فتيات لثلاثة شبان في وقت واحد. «ونحن لا نخشى من معانقة الاصدقاء والزملاء، فنقترب من شلة، ونبدأ بالعناق سواء كان من نعانق صديقاً أم لا»، على ما يقول داني شنايدر، طالب في مدرسة باسكاك هيلز في نيوجيرسي. وانتخب المراهقون والمراهقات العناق تحيةً مفضلة. فنرى في المدارس شابات يعانقن بعضهن، وشباب يعانقون بعضهم، وشابات يعانقن أقرانهن. ولا يمت هذا العناق الى الحميمية والرومانسية بصلة. ويتندر المعلمون والمعلمات بالكلام عن «عناق الساعة» أو عناق ال6 ساعات. ويلاحظ هؤلاء أن الطلاب لا يتوقفون عن معانقة بعضهم بعضاً، كأنهم انقطعوا واحدهم من الآخر أشهراً طويلة، أو عادوا تواً من إجازة الصيف الطويلة. ويشكو بعض الطلاب من شرط الزامهم العناق للاندماج في أوساط الزملاء. وينظر جيل الأهل بعين الحيرة الى تحية العناق الطارئة والمستجدة. فهم من جيل لا يستسيغ القرب الجسماني بين الاقران، ويرى أن المصافحة و «الخمسة الواطية» (صفق اليدين الى الاسفل) هي التحية المناسبة. وتقول بيث هارباز، والدة صبيين: «العناق هو عادة صامتة تستغني عن الكلام. ويبدو أن المراهقين لم يجدوا غير العناق وسيلة لإعلان معرفة الواحد منهم بالآخر. فهم لا يقولون: هاي (مرحباً)، ولا يبتسمون عند رؤية الصديق او الزميل، ولا يلوحون بيدهم، بل يبادرون الى العناق. وعندما أرى أولادي مع رفاقهم اشعر يأنني سائحة في بلد لا أُلم بعاداته ولا أتكلم لغته». ويبعث امتناع المراهق عن العناق الريبة في أوساط أقرانه. وتقلق موجة العناق هذه مديري المدارس والمدرسين. وحظر نورين هاجينلاين، مدير مدرسة جورج، جي وايت سكول، العناق في المدرسة، قبل عامين. ويعترض الطلاب على هذا الحظر، ويقولون إن العناق هو طريقتهم في القاء التحية. ويرى بعض علماء الاجتماع أن المراهقين الذين نشأوا في عصر شمل تنظيم الوقت، وتقسيم أوقات لعبهم، يميلون الى التعاون مع أقرانهم، والوفاء للشلة والمجموعة، وأن الميول الفردية تراجعت في أوساطهم. ولا توافق آمي بست، عالمة اجتماع في جامعة جورج ماسون، هؤلاء الرأي، وتقول إن العناق هو مرآة تغير التحية في المجتمع الاميركي، منذ سبعينات القرن المنصرم. فإلقاء التحية يخفف من الأصول الرسمية وقيودها، في العقود الماضية. وحدود لمس الآخر تغيرت في الثقافة الاميركية، وتهافتت. «فعدد القواعد التي ترسم حدود لمس الآخر تقلص، ورفعت بعض الحواجز من طريق الوصول الى جسد الآخرين ولمسه»، على ما تقول ماسون. ويبدو أن العناق هو ظاهرة راسخة لا يجوز حملها على تقليد برنامج تلفزيوني أو فيلم. ويستهجن الراشدون معانقة المراهقين الذكور بعضهم. ولكن المراقبين يرون أن جيل المراهقين الجديد يستسيغ التعبير عن انفعالاته وعن مشاعر الود بين الاقران الذكور. ويرى عدد من الاهل أن ثمة تناقضاً في توق جيل شبّ على العلاقات الافتراضية وعالم التواصل الافتراضي الى العناق. وتقول دونا أيكنر، والدة مراهقتين، أن الافتقار الى العلاقات الانسانية المباشرة هو ربما مرآة حاجة الى تواصل انساني فعلي وغير افتراضي. ولكن العناق، وهو حركة جسدية، هاجر من الواقع الى العالم الرقمي الافتراضي والشبكة الالكترونية. فعلى سبيل المثال، استحدث موقع «فايس بوك» تطبيقة «الضم» التي اقبل عليها الآلاف لإرسال ضمّات افتراضية الى أقرانهم. * صحافية، عن «نيويورك تايمز» الاميركية، 28/5/2009، إعداد م. ن