من الانقطاع عن ارتياد المقاهي والحد من التبضع إلى خسارة العقارات وانكماش سوق العمل ومعه التأمين الصحي، ترخي الأزمة الاقتصادية بثقلها على المشهد المعيشي ومظاهر الحياة اليومية في الولاياتالمتحدة، وتهدّد عمق الحلم الأميركي، وتعزز مخاوف ملايين الأميركيين من خسارة «وسادتهم» الاقتصادية، التي اعتمدت لعقود طويلة، على الرخاء المعيشي واغتنام الفرص في اقتصاد رأسمالي يكافئ المبادرة الفردية وحرية التعامل. وفي خضم الأزمة الأكبر التي تواجهها الولاياتالمتحدة، منذ الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي، والتي انفجرت في أيلول (سبتمبر) الماضي من خلال أزمة العقارات وشبه انهيار في نظام الاقتراض المصرفي وسوق الأسهم المالي، وخسارة الملايين منازلهم بنسب تفوق 30 في المئة عن السنة الفائتة (تقرير بلومبرغ)، فضلاً عن انضمام 12 مليون أميركي إلى صفوف البطالة، يسعى الأميركيون إلى تغييرات في أسلوب الحياة اليومية للتكيف مع الواقع الاقتصادي الجديد بالحد من نسب الإنفاق وخفض سقف التوقعات من أي حلول مرتقبة. فمن أبسط الأمور اليوم، استبدال المطاعم الراقية بأخرى للوجبات السريعة، وتحول المستهلك، بحسب الإحصاءات، نحو الخيارات الأقل تكلفة، مستغنياً عن المشروبات المنمقة المذاق في مقاهي «ستاربكس» إلى أخرى أكثر تقليداً وبسعر لا يتعدى الدولار ونصف دولار للمشروب. وأقفلت مقاهي «ستاربكس» أكثر من 800 فرع في الولاياتالمتحدة منذ العام الفائت. ويبدو من الإحصاءات أن الشبكات التجارية العملاقة والمتوجهة تحديداً إلى أصحاب الدخل المحدود مثل «وولمرت»، هي الأقل تأثراً بالأزمة نظراً إلى الثبات في مستوى الإقبال من شريحة واسعة من هؤلاء عليها. فالمخاوف من خسارة الوظيفة وكابوس إفلاس الشركات، جعل ترايسي وهي من أصول كندية تعود إلى بلدها الأم بعد وقف الإمدادات الحكومية والتبرعات الخاصة للمنظمة غير الحكومية التي عملت فيها. واضطر ريتشارد إلى بيع منزله في ميشيغان بعد طرده من وظيفته بسبب أزمة قطع السيارات، وحوله الواقع الاقتصادي أسيراً للإحباط النفسي بعد أكثر من أربعة أشهر بحثاً عن فرصة عملٍ. وفرضت الأزمة ذاتها لاعباً على كل الميادين العامة، فالإعلانات في قطارات الأنفاق وعلى شاشات التلفزة تحولت من الترويج للسلع إلى التركيز على سعرها أو مردودها في الأزمة الاقتصادية. إذ تسعى شركات التأمين الصحي، إلى تسويق خطة الضمان الفردي بدل المؤسساتي، وفي إعلانات تبدأ بعبارات «إذا كنت خسرت وظيفتك...»، في حين وجدت صناعة السيارات غير المضرة بالبيئة بابها إلى المستهلك في الأزمة ولعدم اعتمادها كلياً على النفط، أما مطاعم الوجبات السريعة فاتجهت إلى تسويق وجبة «الدولار الواحد». مظاهر العبء الاقتصادي ترافق المواطن الأميركي في معظم نواحي حياته، فالخوف من إفلاس الشركات أو انهيار سوق الأسهم أو خسارة الضمان الصحي هموم حقيقية يعيشها الأميركيون يومياً. وفي حين ساهم انتخاب الرئيس باراك أوباما وتعهده بإصلاح شامل للنظام المالي وتدخل أكبر للحكومة في إدارة هذه السوق، تراجعت إلى حد ما، ثقة الأميركيين بحكومتهم في السنوات الأخيرة بعد آفات إعصار كاترينا والأخطاء الأخيرة للكونغرس في الخطة الاقتصادية والسماح لشركاتٍ بإعطاء أرباح إلى موظفيهم على حساب أموال دافع الضريبة. في الوقت ذاته يعول الرأي العام على سياسة الديموقراطيين الاقتصادية وخطط أوباما والكونغرس الأميركي لإعادة هيكلة الضمان الصحي وخلق وظائف جديدة في حقول تكنولوجيا البيئة أو الإعمار التي تساعد في المدى الأبعد، في النهوض الاقتصادي وخفض العجز في الموازنة. وسيكون رهن نجاح رئاسة أوباما بمدى إنجازاته الاقتصادية على الأقل في الولاية الأولى، إذ إن الأزمة التي ساهمت في صعوده إلى البيت الأبيض أمام الحزب الجمهوري المفلس من سياسات الرئيس جورج بوش، ستكون لها اليد الطولى بالحكم على سياسته والكونغرس الديموقراطي في الانتخابات المقبلة.