كنت كتبت هنا في شهر محرم الماضي، بتاريخ «1 كانون الأول (ديسمبر) 2010» مقالة عن أستاذي ومعلمي الراحل الأديب والروائي، والكاتب «محمد صادق دياب»، بعنوان «كاتب عن عشرة كتاب»، وعلى رغم أنني كنت أتواصل معه عبر الرسائل الجوالة للاطمئنان على صحته إلا أنني لم أخبره عن كتابتي عنه حفاظاً على معنوياته الحساسة، لأني خشيت أن يعتبرها تأبيناً باكراً له، ولكنه وبطبيعته التي لا تملّ القراءة، وعلى رغم معاناته مع الألم والكيماوي الذي كان يتجرعه، كان يطالع الصحف المحلية عن طريق «الإنترنت» ومنها صحيفة «الحياة»، وفوجئت برسالته لي تقول: «شكراً زينب كتابتك عني أنت وكل من سطر لأجلي دواء»، بعدها استمررت في التواصل معه أسبوعياً وهو يطمئنني على صحته، وكنت أتمنى أن تكون كتابتي الثانية هنا عنه احتفالاً بعودته لا رثاء برحيله، لكنها إرادة الله سبحانه وتعالى قضت أن يغادر دنيانا الفانية بكل رضا وإيمان في يوم جمعة فضيل تسعد فيه الأرواح الطاهرة بلقاء ربها العظيم. حقيقة تخنقني العبرات وأنا أكتب هذه الأسطر، فهو قامة فكرية ثقافية كبيرة أثرت ساحتينا الأدبية والإعلامية بكثير من الإبداعات، سواء على المستوى الإعلامي عن طريق رئاسته لتحرير الكثير من المطبوعات، أو إشرافه على الملاحق الثقافية، أو مؤلفاته الكثيرة في مجال القصة والرواية التي كان آخرها «مقام حجاز»، التي تتحدث عن حقبة من تاريخ جدة التي عشقها فعشقته بمن فيها من أناس أحبوه وأحبهم، وهذا ليس بغريب على رجل رضع النقاء، والمحبة فخرج أحبابه وراء جنازته بالقدر الذي لا تستطيع فيه أن تحصي عددهم، تحلق معهم نوارس البحر في منظر حزين التقتطه عدسات المصورين وكاميرات التلفزة، وكأن هذه النوارس التي طالما حكى عنها وحاكاها في كتاباته تعلم أن هذا الرجل هو صاحبها الذي أرخ رفرفتها وغناءها الجميل. كان رجلاً استثنائياً في كل حالاته الإنسانية، ساند الكثير من الإعلاميين الذين أصبحوا نجوماً محلقة في سماء الإبداع، منهم «تركي الدخيل»، الذي كتب عن هذا بنفسه في كثير من مقالاته التي كان آخرها مقالة قبل وفاته بيوم، والثانية في يوم رحيله، وكثيرون غيره وأنا واحدة منهم غمرهم برعايته واهتمامه حتى عرفوا طريقهم إلى أهدافهم، أضف إلى ذلك نزاهته المهنية التي تكلم عنها رئيس مجلس إدارة المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق الأمير فيصل بن سلمان، الذي ذكر أن الفقيد أشار عليه بإغلاق مجلة «الجديدة» التي كان يرأس تحريرها لعدم جدواها الاقتصادية، وهذا أمر نادر أن يطلب رئيس تحرير بإغلاق مطبوعته التي يرأس تحريرها، ولكنها الأمانة والنزاهة والصدق الذي كان صفة ملازمة لهذا الإنسان هي التي حكمت تصرفاته في كل مجال، وكذلك لا تستطيع أن تصنف الأصدقاء الملازمين له في حياته، فهم خليط من الفقراء، والمساكين، والصيادين، والمثقفين، والمسؤولين، ومن جميع الطبقات، كان تسامحه وانفتاحه هو المفتاح الذي جمع الكل حوله، وكما أسلفت، فإن آخر إنتاجه كان رواية «مقام حجاز»، وهنالك رواية أخرى لم تكتمل بعد، وكما أخبرتني زوجته «خيرية»، بالعنوان «الخواجة يّني»، وقالت لي أنها سوف تطبعها كما هي من دون إضافة من أحد. أخبرته - رحمه الله - أنني اشتريتُ روايته «مقام حجاز» من معرض الرياض الأخير، فقال لي سأوقعها لك عندما أعود إن شاء الله وسأهديك أخرى، ولكنها إرادة الله شاءت أن يرحل قبل أن يوقع لي ولكل المحبين المنتظرين توقيعه، رحم الله فقيدنا وأسكنه فسيح جناته. [email protected]