يستعد الزعيم الديني مقتدى الصدر لمنافسة الجميع في تصدر التحرك السياسي الشيعي، بعد الانسحاب الاميركي من العراق، وما تهديداته بإعادة إحياء «جيش المهدي» سوى جزء من هذه المناورة، فهو قادر أيضاً على حشد الجمهور المليوني والمتطوعين. ولا يعيقه لتصدر المشهد سوى رفض الاميركيين ترجمة نفوذه الشعبي الى واقع سياسي. في المقابل يعرف منافسو الصدر انهم معرضون لفقدان الحيز الواسع من المساحة السياسية التي يحتلونها اليوم، إذا حسمت ايران أمرها تحت ضغط المتغيرات الاقليمية وقررت دعم قوة الصدر الموحدة القادرة على العمل السياسي والعسكري على غرار تجربة «حزب الله» اللبناني. ولا يخفي الصدر نفسه اعجابه بتجربة هذا الحزب، فيما لا يتردد انصاره في اطلاق تسمية «نصر الله العراق» عليه وتعداد اوجه الشبه بين تجربتي الرجلين. ويقول مطلعون على واقع التوازنات الدقيقة التي افضت الى تشكيل الحكومة العراقية ان طهران التي استخدمت طوال السنوات الماضية سياسة جمع الخيوط المتباعدة، وغضت النظر عن الانشقاق الشيعي – الشيعي الذي افضى خلال الانتخابات الى بروز احتمالات قوية لانتقال السلطة من الاحزاب الاسلامية التقليدية الى علماني شيعي مدعوم من السنة، قد تغير استراتيجيتها تلك لوضع كل ثقلها في مصلحة طرف واحد لديه التمثيل الشيعي الاكبر، ويتمكن من لعب دور محوري في الصراع الاقليمي المتصاعد ويتخذ في احد اوجهه طابعاً مذهبياً. وعلى رغم تلقي رئيس الحكومة نوري المالكي من كبار قادة الجيش والشرطة نصائح بالموافقة على قوات اميركية الى حين استكمال النواقص، خصوصاً على مستوى القوة الجوية، فانه لن يتمكن من اتخاذ قرار التمديد اذا اصر الصدر على موقفه. وربما استخدم تهديدات الصدر أداة غير مباشرة لمواجهة ضغوط واشنطن المتصاعدة للاحتفاظ بوجودها العسكري في العراق بعد عام 2011 وقد عبر وزير الدفاع روبرت غيتس صراحة عن هذه الرغبة خلال زيارته الاخيرة لبغداد. لكن المالكي ادرك عبر التجربة ان ادارة العراق لن تتم بقرار ايراني منفرد، واستخدام الضغوط الاميركية في مناسبات مختلفة للحد من نفوذ طهران لن يجازف بخسارة الدعم الاميركي له الذي لم يكن أقل اهمية من الدعم الايراني خلال معركته لتجديد ولايته. في المقابل فانه، وهو يلوح بممانعات الصدر في وجه الاميركيين سيواجه تصاعداً في وزن تيار الصدر يهدد نفوذ «حزب الدعوة» وشركائه. على كل حال، يبدو الصدر فائزاً حتى اذا لم ينجح في فرض الانسحاب الاميركي من العراق. فهو يكسب المزيد من التعاطف الجماهيري ويكرس رغبته في أن يكون «نصر الله العراق» حتى لو ابقى ورقة «جيش المهدي» في حدود التلويح السياسي. وسيكون على منافسيه الشيعة اما اللحاق به او اتخاذ مواقف مناوئة، وكلا الخيارين لا يضمن القدرة على مواجهة فاعلة لتياره ولقدرته على النمو. وتتداخل المتغيرات الاقليمية وبروز محاور صريحة مع المتغيرات العراقية المتوقعة بعد الانسحاب الاميركي لصالح انتاج خطاب يتجاوز الصراع العراقي الى الانغماس في الخطاب الاقليمي. وقد بدا ذلك واضحاً في الإنقسام حول الازمة البحرينية.