لافت للانتباه حجم المشاركة النسائية في الثورة اليمنية، حيث لم يحجب الزي التقليدي ولا الحجاب الديني الحضور الواسع والمؤثر لنساء اليمن في الحراك اليومي الذي تشهده الميادين والشوارع والجامعات وكل الأمكنة المتسعة لهدير الشعب الذي لطالما اتهمه مثقفون عرب بسطحية أو سذاجة أنه يعيش نوعاً من السبات أو اللامبالاة، وأن جلسات القات تلتهم جلَّ الوقت والاهتمام لدى اليمنيين. فهبّ الشعب ليثبت أنه حيٌّ لكنه لا يُرزق أسوة بمعظم الشعوب العربية التي لا ينقصها الوعي ولا الكفاءة ولا النخوة ولا الشجاعة، بل ينقصها الحرية والتنمية والعدالة وكل أشكال الرزق «الحلال» بفعل الأنظمة المستبدة الفاسدة التي لم تترك متنفساً إلاّ وسدته، ولا لقمةً إلاّ وسرقتها من أفواه الفقراء والجوعى فيما هي تُشبعهم إنشاءً وشعارات جوفاء، ولا رزقاً وطنياً إلاّ وصادرته وحولته الى الأرصدة البعيدة. مرة أخرى يُثبت اليمن أنه منبع أمور كثيرة. وقديماً قيل: الحكمة يمانية. وحكمة اليوم من اليمن الذي كان سعيداً ذات ماض سعيد قبل أن تفترسه الانقسامات والحروب والاستبداد ومصالح الطامعين، أن حضور المرأة في أي مجال أو مضمار يمنحه نكهة مُغايرة ويضفي عليه ألقاً ليس فقط لأن للأنوثة سحرها وأسرارها، بل لأنها المكوّن الآخر – أو النصف الآخر كما يُقال- للمجتمع الذي يظل مبتوراً وناقصاً بدونها وبدون مساهمتها الجوهرية في كل مناحي الحياة. وكل مجتمع يحجب نصفه الآخر يحكم على نفسه بالقحط والتصحر والجفاف والخشونة والفظاظة وبتشوهات لا حصر لها ولا حد. يقول المثل الأميركي: «المرأة سبب تهذيب الأمم والشعوب فلولا المرأة لكان الرجل أقرب الى الهمجية منه الى التمدن والآداب». وبالفعل فإن معظم الثورات التي شهدت مشاركة فعّالة وحقيقية للنساء كانت أقل عنفاً ودموية من تلك التي غبن عنها- طبعاً هذا لا ينفي أن ثمة نساء تسببن بحروب وويلات خصوصاً زوجات الطغاة ومحظياتهم- ولئن اعتبرنا الثورة المصرية (والتونسية) هي النموذج الأرقى والأجمل للثورات العربية الراهنة. فإن رقيها – على رغم موقعة الجمل وجرائم الجهاز الأمني ورجال أعماله- عائد الى مقدرتها على اجتذاب كل شرائح المجتمع الأفقية من أقصى اليسار الى أقصى السلفية وما بينهما، ومحاذرتها الانجرار الى أي انقسام عمودي طائفي أو سواه على رغم المحاولات الحثيثة التي بذلها النظام السابق في هذا الاتجاه. وبالطبع كانت المرأة صوتاً هادراً ومضيئاً في ساحات الثورة وشريكاً حيوياً فيها، وسبباً من أسباب رُقيّها وتوهجها وانتصارها. من خلف النقاب والبرقع والحجاب وسواها من أزياء دينية أو تقليدية يعلو صوت المرأة اليمنية في الميادين والساحات ليمنح ثورة الشباب بُعداً عميقاً وجوهرياً يثبت أن لا شيء يحول دون حق المرأة في رفع صوتها سواء لأجل حقوقها كإنسانة/ أنثى أو لأجل حقوقها كإنسانة/ مواطنة، ولعل هذه المشاركة هي التي جعلت لثورة اليمن معنى مغايراً على رغم كل المخاطر التي تكتنفها الثورات في مجتمعات مركبة قبلياً وعشائرياً ومناطقياً وطائفياً، مع ضرورة أن تخترق الثورة كل هذه الانقسامات والتصنيفات وتتمدد أفقياً لتكتب لنفسها النجاح. السؤال الأهم في حال نجاح الثورة وحصول التغيير هو هل تنال المرأة اليمنية حقوقها كإنسانة وكمواطنة لم تُقصّر في أداء واجباتها، هل تنال حقوقها وتحضر في مواقع المسؤولية والقرار مثلما حضرت في ساحات الثورة و النضال؟، حيث لم يعد هذا الأمر منّةً أو هبةً من أحد بل حقاً ينبغي إسباغ الشرعية القانونية عليه بعد اكتسابه الشرعية الثورية في أرض كانت ملكتها ذات تاريخ امرأة محنكة مدهشة. تحية لنون النسوة، نون اليمن، نون الوطن.