على أعلى نقطة في التل الأحمر الذي لا يبعد سوى بضعة كيلومترات عن القوات الاسرائيلية المرابطة في مرتفعات الجولان، يرفع مقاتلون اسلاميون سوريون علم تنظيم «القاعدة» ويلهجون بالثناء لزعيمهم أسامة بن لادن. ويشبه أحد الرجال من قادة «جبهة النصرة» التي تستلهم فكر «القاعدة» ساحة القتال بالكفاح الذي خاضه رفاقهم منذ سنوات في أفغانستان. وعلى مقربة في تلك المنطقة الزراعية الخصبة تمددت على الارض جثث جنود بالقرب من دبابة متفحمة تنتمي للعهد السوفياتي. ويقول القائد في فيديو الذي نشرته الجماعة على الانترنت إن هذا المشهد يذكره بأسد المجاهدين بن لادن في جبال تورا بورا. ويظهر المقاتلون في الفيديو على مرأى من سيارات الجيب الاسرائيلية وهي تقوم بدورياتها على الجبهة الحصينة. سقط هذا الموقع في الشهر الماضي وبعد أيام تم الاستيلاء على قاعدة لواء المشاة 61 في القوات المسلحة السورية قرب مدينة نوى، فيما يمثل واحداً من أكبر الانتصارات التي حققها المقاتلون في جنوب سورية خلال الحرب الدائرة فيها منذ ثلاث سنوات. ولا ترجع أهمية هذه المكاسب إلى كونها توسيعاً لنطاق سيطرة المقاتلين قرب مرتفعات الجولان التي تحتلها اسرائيل وقرب الحدود الاردنية فحسب، بل لأن مركز قوة الرئيس بشار الأسد في دمشق يقع على مسافة 65 كيلومتراً إلى الشمال. وأدت هذه الانجازات لمقاتلي «جبهة النصرة» إلى رد عنيف من قوات الأسد شمل قصفاً جوياً. كما أرسل الجيش تعزيزات من القوات الخاصة إلى الجنوب في الأيام الأخيرة بعد انسحاب المقاتلين من مدينة حمص (وسط سورية) ما خفف الضغط على الجيش حولها. وتعكس هذه التعزيزات تصميم الأسد ألا يفقد سيطرته على مدينتي نوى والقنيطرة على سفوح مرتفعات الجولان قبل الانتخابات الرئاسية التي تجري في الثالث من الشهر المقبل. ومن المرجح أن يفوز فيها الأسد بفترة رئاسة أخرى لمدة سبع سنوات. وفي العام الماضي، سيطر المقاتلون لفترة وجيزة على نقطة القنيطرة الحدودية مع اسرائيل وأصبحوا الآن يسيطرون على قرى كثيرة في المنطقة. وقال العميد أسعد الزعبي الذي كان رئيساً لجناح القوة الجوية قبل انشقاقه في أوائل عام 2012: «النظام دق أجراس الانذار خشية أن يفتح سقوط نوى والقنيطرة محوراً باتجاه دمشق». نمو نفوذ «القاعدة» وتشير امكانية استخدام الجبهة الجنوبية كنقطة انطلاق للهجوم على العاصمة إلى أنها قد تشكل التحدي الرئيسي للأسد. وقال ايهود ايعاري الباحث في معهد واشنطن: «المسافة أقصر كثيراً من المسافة التي يتعين على المقاتلين قطعها للوصول إلى دمشق من معاقلهم الشمالية. وربما تكون الجبهة الجنوبية هي الجبهة الحاسمة في نهاية المطاف على النقيض من كل التوقعات السابقة.» وقال ايعاري: «ثبت أن تحالفات المتمردين فعالة ضد المراكز المتقدمة للنظام». وأضاف أن وحدات الجيش النظامي في الجنوب منتشرة بأعداد ليست كبيرة وفي كثير من الأحيان تكون معزولة. والمكاسب التي حققها مقاتلو المعارضة في الآونة الأخيرة سجلتها «جبهة النصرة» مع ألوية اسلامية أخرى، ومقاتلون يخوضون الحرب تحت مظلة «الجيش السوري الحر». وعموماً تقدر مصادر استخبارات غربية أن حوالى 60 جماعة تعمل في جنوب سورية. وعلى النقيض من القتال في ما بين الجماعات التي تهدف للقضاء على نظام حكم الأسد في الشمال فقد كان التنسيق جيداً بين الجماعات في الجنوب. غير أن جماعات متشددة مثل «جبهة النصرة» و «حركة المثنى» و «أحرار الشام» يتزايد نفوذها ما يقلص من هيمنة ألوية أكبر. وانكشف ضعف هذه الألوية بدرجة أكبر عندما فشلت في الرد على خطف «جبهة النصرة» العقيد أحمد نعمة وهو من منتقدي المتشددين الاسلاميين ويرأس المجلس العسكري المدعوم من الغرب نحو 20 ألف مقاتل تحت سلطته الاسمية. وما أضعف قضية المقاتلين المعتدلين محاكمة العقيد نعمة هذا الشهر أمام محكمة عقدتها «جبهة النصرة»، حيث اعترف في لقطات فيديو بأنه عطل وصول أسلحة للمقاتلين امتثالاً لرغبات قوى خارجية تريد إطالة الصراع. ومنذ مدة طويلة يشكو مقاتلون في درعا مهد انتفاضة عام 2011 على حكم الأسد أنهم حرموا من أسلحة مهمة على النقيض من رفاقهم في الشمال لشعور الغرب والاردن بالقلق من تسليح مقاتلين على مسافة قريبة من اسرائيل. ومن غرفة عمليات سرية في العاصمة الاردنية عمان يعمل ضباط استخبارات من دول عدة على تقييم طلبات السلاح التي يتقدم بها المقاتلون. وقال مقاتلون على اتصال بغرفة العمليات إن هؤلاء الضباط يعملون على تمرير بعض الاسلحة الخفيفة والذخائر عبر الحدود وهو ما يكفي لتحقيق مكاسب تكتيكية بين الحين والآخر. وبدأت بعض الدول التركيز بدرجة اقل على تحدي الأسد عسكرياً وبدرجة أكبر على قضية تمويل جماعات مثل «لواء اليرموك» و «ألوية أحفاد الرسول» و «لواء العمري» للتصدي لخطر انتشار تنظيم «القاعدة» مستقبلاً. وقال مقاتل اسلامي طلب عدم نشر اسمه: «إنهم يدعمون جماعات ستقف ذات يوم في وجه الجماعات المتطرفة ويريدون الآن تعطيل الطريق إلى دمشق حتى تطول المعركة». ويقول مقاتلون معتدلون يحاربون قوات الاسد إنهم يخسرون بسبب الرفض الغربي لتزويدهم أسلحة مضادة للطائرات يمكن أن تحد من الهجمات الجوية المدمرة التي تشنها القوات السورية. وفي المقابل، تمكنت «جبهة النصرة» وألوية اسلامية متشددة بفضل الدعم المالي من متبرعين سلفيين من تجنيد المزيد من المقاتلين الشبان. من ساحة القتال إلى المحاكم يعمل ما يقرب من 2000 مقاتل من مقاتلي «جبهة النصرة» في المنطقة بقدرات تنظيمية تفوق بكثير قدرات منافسين أميل للعلمانية أفقدتهم خلافاتهم ومشاحناتهم الكثير من التأييد الشعبي. ويدير مقاتلو «جبهة النصرة» عشرات من نقاط التفتيش عبر سهل حوران من حدود مرتفعات الجولان غرباً إلى درعا على الحدود الأردنية ومدن أخرى على مسافة 60 كيلومتراً شرقاً. وقال أحد قادة المقاتلين المعتدلين في بلدة جاسم تربطه صلات بمقاتلي «جبهة النصرة» إن الجبهة تدفع رواتب جيدة لرجالها كما أنها تضمن حصول أسرهم على دقيق (طحين) وسلع أساسية أخرى. ويقول سكان في المنطقة إن شعبية «جبهة النصرة» جاءت على حساب جماعات أخرى مقاتلة اكتسبت سمعة النهب. وتتعامل محاكم «النصرة» الآن مع عدد متزايد من القضايا من الخلافات الاسرية إلى تخصيص المساعدات المالية للمحتاجين. وفي الشهور الستة الأخيرة أقامت «جبهة النصرة» مكاتب لها في الحي القديم في مدينة درعا التي كان النفوذ فيها لفترة طويلة لمجموعة مختلفة من الألوية المقاتلة المشكلة على أساس قبلي. وأدى ظهور «جبهة النصرة» إلى تآكل التركيبة القبلية للألوية الصغيرة والجمعيات الاسرية التي اعتبرت لفترة طويلة حصناً في مواجهة المذهب السلفي المتشدد. وقال المحلل العسكري فايز الدويري الضابط السابق في الجيش الاردني: «هذه الجماعات الاسلامية أصبحت الفاعلين الرئيسيين على الارض. الجيش السوري الحر تفتت لذلك فإن انتشار النصرة في ريف درعا طبيعي ومتوقع رغم أنه تأخر بسبب قوة الروابط القبلية».