كل نظام عربي تقترب منه شبح الثورات يخرج علينا بالأسباب نفسها التي تحرك الجماهير، فالكل من تلك الأنظمة يبدأ باتهام الإعلام، خصوصاً القنوات الفضائية بأنها أداة مخربة تحرض على الفساد وإشاعة الفتنة، ومن يتابع القنوات الليبية مثلاً يجد أن كل من تلتقيه تلك القنوات يكيل التهم للقنوات العربية الفضائية ويطلب من الشعب الليبي مقاطعتها وحذفها من حزمته الفضائية، ونجد بعض المتصلين يبشرون مقدمي تلك البرامج بأنهم قاطعوا تلك المحطات، فيبدأ التهليل والتكبير، ولكن الغريب أن الأزمات العربية مستمرة، على رغم الحرب على الفضائيات العربية. السبب الآخر الذي تطرحه تلك الأنظمة في صراعها للبقاء ضد شعوبها، حتى ولو قضت على تلك الشعوب، كما هي الحال في ليبيا، الذي تعمل الآلة العسكرية الرسمية «حرب إبادة» ضد شعب مسالم خرج في حركة سلمية للمطالبة بالتغيير الذي يقود إلى دولة ديموقراطية حقيقية، ومنذ البداية حذر القذافي وولده من أنه سوف يستخدم القوة، كما استخدم ضد المعارضين الشيوعيين في صراعهم على السلطة مع الرئيس الروسي السابق يلتسين، الذي دك وقصف مبنى البرلمان الروسي، الذي كان يعتصم به بعض النواب، حتى خروجهم وهم رافعو رايات الاستسلام، وذكّر القذافي في خطاباته النارية بمجزرة ساحة نيمن الصينية، عندما داست الدبابات الصينية الطلاب المعارضين بطريقة سلمية للنظام الشيوعي، كان البعض يستبعد أن يقوم القذافي بمثل هذه المذابح، ولكنه للأسف تفوق عليهم، وسوف يذكره التاريخ بأنه القائد الذي سحق شعبه بأكمله، فإما أن أحكمك وإلا سأدمر ليبيا ومن عليها، فلن أتركها إلا جهنم حمراء. إن نظرية المؤامرة هي إحدى الاسطوانات التي يرددها الإعلام الرسمي في بعض الدول العربية، ولكن المؤامرة هذه المرة تأتي من الداخل ولها ارتباطات بالخارج، كما ذكر الرئيس السوري في المنتظر الذي أزعم أنه كان سبباً مباشراً في زيادة الاحتقان الداخلي، فقد اتهم من خرج في تلك المظاهرات السلمية بأنهم صنيعة مؤامرة خارجية، وأنهم هذه المرة أتقنوا الحبكة والتنفيذ، ولا زلنا ننتظر أن تعلن السلطات السورية عن خيوط هذه المؤامرة التي أعتقد أنها موجودة فقط في أدراج مسؤولي الأمن والمخابرات السورية الذين يعرفون أن هناك احتجاجات سلمية تطالب بالحرية والديموقراطية الحقيقية. النظام السوري قدم تنازلات، في اعتقادي، في الاتجاه الخطأ، وكما هو معروف فإن البعث كنظام يحكم سورية بصورة شمولية من النواحي السياسية والاجتماعية، فالأمن السوري بجميع تفرعاته يهيمن على المشهد السوري منذ سنوات طويلة. فتقديم تنازلات أعتقد أنها شكلية لن تخفف الاحتقان والأزمة في سورية، فالكل يتساءل مثلاً أين هذه الإصلاحات السياسية، كرفع حال الطوارئ، وقانون الأحزاب والإعلام كل هذه السنوات؟ عذر أن هناك تأخيراً أعتقد أنه لا يمكن تصديقه. يرى البعض أن سورية غير الدول العربية الأخرى التي اجتاحتها الثورات، بسبب أنها دولة مواجهة مع إسرائيل، وأنها ضمانة المقاومة العربية، وأنا أعتقد أن مثل هذه الأطروحات التي يرددها الإعلام الرسمي ومن يلف في فلكه قد أزّمت الداخل السوري ودفعته للخروج ضد النظام، فبسبب المقاومة والمواجهة يعمل النظام السوري كل أشكال القمع والتنكيل ضد شعبه في أي مطالب سياسية حقيقية باسم أن سورية دولة مواجهة مع العدو، وكما طرح البعض أن من أسباب سقوط نظام حسني مبارك في مصر هو موقفه من حرب غزة والحصار عليها، ما ألب الداخل المصري عليه، إضافة إلى أسباب داخلية أخرى، قد ينطبق مثل هذا التفسير على الوضع السوري الجاري الآن، فقد أشارت بعض التقارير الإخبارية أن صوراً لحسن نصرالله مُزقت وأُحرقت في بعض المظاهرات السورية الأخيرة، ما يدل على أن الداخل السوري لا يهمه بطولات حزب الله وقوى ما يُسمى بالمقاومة الذي يستهلكها النظام السوري في الداخل والخارج. أعتقد أن الشعب السوري له مطالب مشروعة عبّر عنها بشكل سلمي وهي واضحة وصريحة، فشعارات الحرية والديموقراطية والعدالة هي ما يرفعها أبناء الشعب السوري، ولكن للأسف فإن النظام يعتقد أنه يستطيع أن يقتل ويعزل سورية عن العالم، فالخطاب الرسمي، وعلى جميع الأصعدة، يؤكد أن من حق المواطنين التظاهر السلمي، وعند خروجهم في تظاهرات يطلق عليهم النيران وبشكل عشوائي، وهذا في اعتقادي يعطينا أدلة أن النظام ليس جاداً في الإصلاح السياسي الذي يدعيه، فليس تغيير محافظ منطقة، أو رئيس تحرير صحيفة رسمية، أو تجنيس لبعض المواطنين الذين في الأصل يستحقون الجنسية، ليست هذه مطالب شعب يقدم الشهداء كل يوم، إن تأسيس مجلس وطني، واستفتاء على دستور جديد، وانتخابات تشريعية لكل القوى والأحزاب، هي ما يطالب به الشعب السوري، إضافة إلى حرية إعلام وإطلاق سراح سجناء الرأي هناك. مثل هذه المطالب هي بداية الحل في سورية حتى لا نضيع الفرصة وندخل في دهاليز أخرى، لأن الوضع الداخلي يتعقد أكثر وبشكل سريع مع مرور الأيام. إن فزاعة الطائفية في سورية، التي يرفعها الإعلام الرسمي، لن توقف الحراك هناك، فجميع مكونات الشعب السوري، بعربه وكرده ومسلميه ومسيحية، تشارك في الاحتجاجات هناك، بل إن بعض مكونات الطائفة التي يرتكز عليها النظام تقف وبشكل واضح إلى جانب الشعب السوري ومطالبه المشروعة. [email protected]