... والارتفاع المقصود هو ارتفاع أسعار النفط بنسب كبيرة خلال فترة زمنية قصيرة. وهو إجمالاً مضر للمستهلكين، ومضر بدرجة أكبر لكبار المصدرين الذين يملكون كميات كبيرة من احتياطيات البترول لأسباب كثيرة، أهمها أن ارتفاع الأسعار يؤدي إلى جدوى تسارع البحث عن بدائل، كما أنه يؤدي إلى ارتفاع تكاليف إنتاج السلع والخدمات في الدول المستوردة للنفط، وذلك بدوره يؤدي إلى تباطؤ نسبة النمو في العالم أجمع من غنية وفقيرة، وبالطبع يلحق الأضرار المؤلمة بالدول النامية الفقيرة المستوردة للنفط ومشتقاته. وهبوط نسبة النمو الاقتصادي العالمي الشامل، لا محالة يؤدي، في نهاية المطاف، أو بعد «ركود الرمي» حرفياً لا مجازاً كما ينبغي أن يُقال في ربيع 2011، إلى انخفاض الكميات المطلوبة من البترول. وبمجرد أن يبدأ انخفاض المطلوب من النفط الحقيقي (أي المعروف، على خلاف ما يباع ويشترى من عقود يعد بائعها بتسليمها للمشتري بعد أجل)، بمجرد أن يبدأ ذلك، يبدأ بيع كميات متزايدة بأسعار أقل مما وصلت إليه فعلاً في أسواق النفط الآجلة. وتناقص الأسعار في الأسواق الآجلة يؤدي بدوره إلى مزيد من الانخفاض في أسعار النفط الحقيقي الذي يشتريه من يريد استخدامه أو تخزينه أملاً ببيعه في المستقبل بسعر يبرر تكاليف الشراء والنقل والتخزين. ولا يخفى على متابع أن أسعار النفط قد ارتفعت بهذه السرعة لأسباب سياسية أمنية كانتفاضة الشعب الليبي ضد سفاحه (المعتوه) وبعض التظاهرات المحدودة في الجزائر، وأهم من ذلك كله مشاريع محمود أحمدي نجاد في الكويت والبحرين وبقية دول مجلس التعاون كلما استطاع إلى ذلك سبيلاً، في محاولة، لاقت نجاحاً محدوداً، لتصدير ما يواجهه من أزمات سياسية واقتصادية داخلية. وما علاقة أزمة نجاد السياسية والاقتصادية الداخلية والسخط الشعبي الهائل عليه بأسعار النفط؟ العلاقة تكمن في أن تهديد محمود أحمدي نجاد لأمن دول مجلس التعاون الخليجية ليس من قبيل التعاطف والدعم للعرب الشيعة كما قد يبدو. وأول من يعرف، يقيناً لا ظناً، أن آخر هموم الرئيس نجاد ونظامه، هو مد يد العون للعرب الشيعة في دول الخليج أو في غيرها، هم العرب الشيعة من المواطنين الإيرانيين الذين حُرموا حتى من حق تعليم أبنائهم باللغة العربية. إن هم هذا الرجل المتهم بتزوير الانتخابات بإجماع المراقبين المحايدين هو أولاً وأخيراً نظامه وبقاؤه في الحكم. وهو بالطبع لا يجهل، وقد يتفق معه تشافيز في فنزويلا، أن كل ما يؤدي إلى ارتفاع سعر النفط ولو موقتاً يساعده على تمويل مشاريعه الخارجية، وما يزيد عن ذلك قد يخفف ولو قليلاً من المعاناة المعيشية للمواطنين ما قد يؤدي إلى تخفيف درجة السخط الشعبي العام. وليست هناك وسيلة لأي حاكم مستبد أفضل من افتعال العداوات الخارجية لذرّ رمادها في عيون المواطنين المغلوبين على أمرهم أو المخدوعين بخطب من يقول خَطَباً يضاف إلى مصائب الأمة كما قال الشاعر. ولكن ألم نقل إن ارتفاع أسعار النفط يلحق أضراراً كبيرة بالمصدرين، على الأقل على مدى أطول من بضعة شهور؟ نعم هذه حقيقة لا يماري في حقيقتها متابع. ولكن التفسير يكمن في أن هذا ما تعرفه وتحرص على تفاديه الدول المستقرة، التي يهم قيادتها المتزنة التي تتصف بالثبات والحكمة، المستقبل القريب والمنظور والبعيد على حد سواء. أما الحاكم المتسلّط غير الواثق من دعم أغلبية مواطنيه فلا يهمه إلا الحاضر والمستقبل القريب. وبالنسبة إليه أن ما يحسبه غيره من الأسوياء كسنة واحدة يحسبه هو كمائة سنة. وهنا ينبغي التأكيد على أنه من الظلم لوم كل الشعب الإيراني على خزعبلات وتهور نجاد، الذي استطاع بكفاءة استثنائية، كسب عداء العالم أجمع، بالإضافة إلى إساءته المستمرة لسمعة المسلمين كافة أياً كانت طوائفهم. إن الشعب الإيراني جارٌ والمشترك بيننا وبينه أكثر من المختلف عليه. ولا يستطيع أحد لا من الإيرانيين ولا من العرب تغيير الجغرافيا أو التاريخ. والله من وراء القصد. * أكاديمي سعودي.