شكّل موضوع الصناديق السيادية في العراق ودورها في تنمية الاقتصاد محور نقاش واسع في ورشة نظمها «منتدى بغداد الاقتصادي»، وشارك فيه متخصصون في قطاعات المال والاقتصاد، مؤكدين «معالجة التحديات التي تواجه نشاط الأعمال والاستثمار، وضرورة وضع البرامج المشجعة على ادخار الفائض من المال واستثماره في التنمية، وحفظ حقوق الأجيال المقبلة». وأملوا بأن «تكون التوصيات التي يتطلعون إليها، محل اهتمام جدي لدى أصحاب القرار». وتحدث المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، عن موضوع الصندوق السيادي الغاطس وضمانات التنمية الاقتصادية التي تمثل وسيلة، تتمكن بموجبها الحكومات والمؤسسات من وضع المال وجمعه بمرور الوقت لإطفاء ديون. وأعلن أن العراق «لا يزال في مستوى آمن في قدراته الافتراضية ويتمتع بنسب معيارية تقل عن 60 في المئة في نسب الدين العام إلى الناتج». ولفت إلى أن في المشاورات الأخيرة مع صندوق النقد الدولي، طرح إمكان العراق تأسيس صندوق سيادي غاطس يتعاطى التمويل بالاقتراض التكميلي من السوق الدولية، بالتلاحم التنفيذي مع سوق المقاولات العالمية للنهوض في نسبة التكوين الرأسمالي الثابت، نسبة إلى الناتج الإجمالي كي تكون 50 في المئة بدلاً من 25 في المئة حالياً، وفي السنوات المقبلة». واقترح الناطق باسم البنك المركزي العراقي باسم عبدالهادي، «تشكيل وحدة إدارية في وزارة المال لتهيئة الهيكلية والكادر الوظيفي وتطوير قدراته لتأسيس صندوق سيادي، يؤدي مهماته في شكل يجعله مساهماً فعالاً في عملية التنمية الاقتصادية». وأعلن الأكاديمي فلاح حسن ثويني، أن «تجربة تأسيس صندوق تنمية العراق كان يهدف إلى ضمان استخدام موارد الصندوق على نحو يتسم بالشفافية، لإعادة إعمار العراق وتلبية الحاجات الإنسانية، وتبين أنه لم يحقق التنمية المنشودة لأسباب كثيرة منها، عدم تبني الصندوق استراتيجية تنموية واضحة». وأوضح أن «أهداف الصندوق تتمثل بكونه أداة لتمويل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمساهمة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي، من طريق تخطيط الإنفاق من خلال استراتيجية تدفق الإيرادات النفطية إلى الموازنة، وتعزيز الادخار الموجه للأجيال المقبلة من المورد الناضب، وتحقيق مبدأ العدالة في توزيع الثروة». ولم يغفل «تفعيل نشاط سوق الأوراق المالية من خلال الاستثمار المباشر وغير المباشر للأصول المالية للصندوق». واعتبر ثويني أن «تبني سيناريوات لتأسيس صندوق العراق السيادي «يخضع لأولويات متطلبات الاقتصاد العراقي والتي تكاد تتكامل وتتفاعل في ما بينها، إذ لا يمكن فصل عملية التنمية والاستقرار والاستثمار عن بعضها». وقال: «النموذج الذي قد يضعه العراق في مقدمة الأولويات، هو الصندوق السيادي الاستثماري لأنه سيكون المدخل إلى كل عملية تنموية ومن ثم عامل استقرار اقتصادي». وتطرق عميد كلية اقتصادات الاعمال في جامعة النهرين ستار البياتي، إلى صندوق المستقبل «الذي يتوافق مع مفهوم التنمية البشرية المستدامة، وتأخذ في الاعتبار حق الأجيال المقبلة بالموارد الناضبة». ورأى أن «ليس معقولاً اتجاه البلد إلى الاقتراض من الخارج وتحمّل الأجيال المقبلة جزءاً من عبء هذه القروض وفوائدها المتزايدة». وأكد «أن مقدار إثبات حق الأجيال المقبلة في الموارد الناضبة، يمثل تحقيقاً للعدالة بين هذه الأجيال». واقترح البياتي «تمويل الصندوق عبر استقطاع نسبة معينة من الإيرادات النفطية المودعة في هذا الصندوق، مع إمكان استثمار موجوداته. وربما يجمع البعض على ان تكون هذه النسبة 5 في المئة سواء في شكل دائم وثابت أو من الزيادة في أسعار النفط كلما اقتضى ذلك». وأشار إلى أن الصندوق المقترح «يستمد اهميته وموجبات استحداثه من العجز الذي تواجهه الموازنة العامة منذ عام 2003، نتيجة الاعتماد على النفط كأهم مورد أو مصدر للدخل أو الايرادات العامة». وأوضح أن «الهدف الأساس منه سد عجز الموازنة وحمايتها من الصدمات وكذلك الاقتصاد ككل، وتحقيق استقرار سعر صرف الدينار في مقابل تقلبات ميزان المدفوعات الناشئة، عن تأرجح أسعار السلع لا سيما النفط، وكذلك مواجهة الصدمات الاقتصادية ومن ثم السعي إلى تحقيق التنمية المستدامة». وذكرت الأكاديمية حمدية شاكر في مداخلتها أن أهمية صناديق الثروة السيادية «تبرز في شكل أوضح في الاقتصادات الريعية خصوصاً في البلدان النفطية ذات المورد الواحد، لاعتمادها على النفط كمصدر أساس للإيرادات». ولفتت إلى أنها «تعاني من اختلالات هيكلية ناجمة عن ارتفاع نسبة مساهمة القطاع النفطي في توليد الناتج المحلي وعلى الصادرات والإيرادات العامة، ما قد يعرضها لصدمات خارجية وأزمات دورية نتيجة التقلبات المستمرة في أسعار النفط العالمية، وعدم القدرة على التكهن بها». لذا رأت أن «التحدي الأكبر الذي يواجه البلدان النفطية يتمثل في كيفية تنويع مصادر تمويل اقتصاداتها، وعدم الاعتماد على مورد واحد يتميز بالتقلب». وكان رئيس منتدى بغداد الاقتصادي فارس آل سلمان أكد في مستهل الورشة، «أهمية حضور قادة الفكر والاقتصاد في العراق إلى جانب البرلمانيين والأكاديميين والممثليات الديبلوماسية، لمناقشة هذا الموضوع الذي يعد في غاية الأهمية».