نشر موقع «سبق» الإخباري المحلي الخبر الآتي: «زادت بعض بقالات شارع التخصصي في الرياض أسعار الدجاج المجمَّد من ثلاثة ريالات إلى أربعة ريالات، وقد تلقت «سبق» شكوى في هذا الخصوص من عدد من المواطنين؛ فحاولت نقل الشكوى إلى وكيل وزارة التجارة لشؤون المستهلك صالح الخليل عن طريق الاتصال بهاتف مكتبه اليوم، ولكن تعذر الوصول إليه، وطلب مدير مكتبه إرسال الاستفسار عن طريق الفاكس، على أن يصل الرد خلال الأيام المقبلة. وكانت «سبق» تلقت شكاوى عدة من مواطنين، قال أحدهم إنه فوجئ بالارتفاع في أسعار الدجاج المجمَّد؛ إذ وصل سعر الدجاجة وزن 1200 جرام إلى 15 ريالاً ونصف الريال، وإنه استفسر من البائع الباكستاني الذي أجاب بثقة بأنه من حدَّد السعر!! وأشار الباكستاني إلى أنه يحصل على الدجاج بسعر 13 ريالاً، ولا بد من رفع السعر للحصول على الأرباح. المواطنون ربطوا ارتفاع أسعار الدجاج بما تشهده السوق المحلية من ارتفاع في أسعار السلع الاستهلاكية في أعقاب صرف راتبَ الشهرَيْن اللذين أمر بهما خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. وأكد المواطنون أن جشع التجار استفحل في ظل ضعف الرقابة وقلة العقوبات الرادعة، مناشدين تشديد الرقابة والعقوبات على المحال المتلاعبة بالأسعار». في هذا الخبر الإلكتروني ثلاثة محاور جديرة بالالتفات إليها. المحور الأول يتعلق بالروتين الذي لا يزال يضرب بأطنابه في صحاري القطاعات الحكومية، ولا يبدو أنه ينوي الرحيل منها في المستقبل المنظور! تقول الصحيفة إنها اتصلت بوكيل الوزارة صالح الخليل فرد مدير مكتبه وطلب إرسال الاستفسارات عن طريق الفاكس، وفي حال استلامه (أي صديقنا الفاكس) سيرد مكتب الوكيل بعد أيام! تخيلوا أن وكيلاً لوزير التجارة يحتل منصباً له علاقة مباشرة بالجمهور والإعلام، يحتاج إلى أيام لبيان حقيقة (ما) حول أمر (ما) متعلق بمسألة (ما) تمس الحياة المعيشية للمواطنين جميعاً!! تخيلوا أن وكيلاً لوزير التجارة يعيش في عالم اليوم، يطلب من صحيفة إلكترونية أن ترسل «فاكساً» إلى مكتبه، وهو الذي ينعم بالخدمات الإلكترونية ليل نهار! الرد خلال أيام والاستفسار من خلال الفاكس، وربما يكون الرد أيضاً من خلال الفاكس، كل هذا يشير بالنسبة لي إلى حقيقتين اثنتين لا ثالث لهما. الأولى تقول إن الروتين، الذي هو عدو التطور في أداء الأعمال، لا يزال هو السيد الأكبر في أروقة الإدارات الحكومية، والثانية تؤكد على أن فهم وفن التعامل مع الجمهور لا يزال غائباً عن ذهن الكثير من مسؤولي الدولة. المحور الثاني الذي يلعب في ساحات هذا الخبر يُبيّن أن وزارة التجارة ما زالت مقصرة في مسألة تحديد الأسعار، والأمر برمته خاضع لجشع التجار المتزايد لكل قرش يُضاف إلى دخل المواطن. لا أعرف في الحقيقة سبباً واحداً حتى الآن يجعل وزارة التجارة تقف موقف المتفرج على لعبة غلاء الأسعار، وهي القادرة على الوصول بقوتها ومسؤولياتها إلى المخالفين ومعاقبتهم؟! ولا أعرف في المقابل سبباً واحداً (غير الجشع) لارتباط رفع الأسعار من التجار بارتفاع تكاليف التصنيع والنقل والتخزين؟! يسكت التجار عن مسألة ارتفاع تكاليف الإنتاج إلى أن يرتفع دخل المواطن ثم يهجمون عليه دائماً بسيوف هذه الحجة البليدة؟! لماذا لم نسمع عن ارتفاع تكاليف الإنتاج قبل إعلان الملك عبدالله عن سلسلة من التحسينات المعيشية في حياة المواطن؟ ولماذا لا نسمع صوت وزارة التجارة عبر بريدها الإلكتروني أو فاكساتها أو حتى حمامها الزاجل عن سقطة الأسعار الأخلاقية هذه، على رغم تحذير الملك شخصياً في خطابه الأخير من الاستغلال التجاري؟! المحور الثالث في هذا الخبر الإلكتروني لا علاقة له بوكيل الوزارة صالح الخليل، ولا علاقة له بالفاكس طيب الذكر الذي ظل عصياً حتى الآن على الاندثار، على رغم سقوط رفيق دربه الفيديو من مشهد أدوات التواصل الإعلامية! كما أنه لا يرتبط بأي علاقة بالتاجر الباكستاني الذي قد يكون هو المالك الفعلي للبقالة التي يعمل بها تحت ظل مواطن سعودي متستر! ولا علاقة له أيضاً بالدجاجة نفسها موضع الخبر التي قد يكون ارتفاع سعرها بسبب ارتفاع أسعار البروتينات والهرمونات التي تحقن بها ليسر حجمها الناظرين! المحور الثالث يدور حول الدور المعطل لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا الجانب، وهي التي تفرغت في الفترة الأخيرة لملاحقة المتزوجين والمتزوجات لتتأكد من ألوان ثلاجات بيوتهم وغرف نومهم. وهي أيضاً التي أدار المتعاطفون معها خلال الأشهر الأخيرة جولات احتسابية نيابة عنها وبمباركة منها، لترميم القصور الذي اعترى عمل بعض الجهات الحكومية. كان المحتسبون الأوائل في القرون المتقدمة يدورون على الأسواق في ظل عدم وجود وكيل وزير تجارة (ما) يصر على التعامل بالفاكس في دورة عمل تستغرق أياماً، ويتأكدون من التزام التجار بالأسعار المتفق عليها شعبياً ويعاقبون من يتلاعب بالأوزان. كان الاحتساب الأول تجارياً بالدرجة الأولى، وكان الناهون عن المنكر والآمرون بالمعروف يركزون مجهودهم وخبراتهم في إنصاف الناس من المتحايلين الغشاشين. وكل ما أتمناه في الوقت الراهن أن ينبري موظفو الهيئة والمحتسبون الأشاوس والمتعاطفون مع المحتسبين إلى ترميم عمل وزارة التجارة، بحيث ينتشرون في الأسواق لا لمراقبة المتسوقين، ولكن لمتابعة الباعة وإلزامهم بالتسعيرة الرسمية التي لم يعد يلتفت لها أحد من التجار في ظل وجود الفاكس الذي يصحو يوماً وينام أياماً. أعرف أن عمل رجال الهيئة الآن ممتع وجميل، إذ لا أحد يمكن أن يتخلى عن وظيفة سلطوية تُخضع له رقاب الناس، لكن عليهم إذا ما أرادوا أن نحبهم أكثر ونحترمهم أكثر أن يعملوا أيضاً في الأعمال التي تتطلب مجهوداً أكثر وشهرة أقل، إن لم يكن لأجلنا فلأجل آخرتهم ويوم حسابهم. كاتب وصحافي سعودي. [email protected]