ليس سهلاً اليوم في عصر العالم الافتراضي، افتتاح متحف ضخم وسط صحراء أبوظبي تفوق مساحته 6400 متر مربع. اللوفر أبوظبي الذي تحرسه الشمس بنورها من فوق، وتبرّده المياه من جوانب عدة، ويخيّم عليه اللون الأبيض، بهر أمس مئات الصحافيين المتخصصين بالفن والمهندسين والفنانين الآتين من بلدان عدة لحضور الافتتاح «الفني» (الافتتاح الرسمي اليوم) لهذا الصرح «التحفة الفنية عربية». استطاع المعماري الفرنسي جان نوفيل أن يحوّل صحراء منارة السعديات عند أطراف أبوظبي، إلى صرح لا بدّ من زيارته كمعلم ثقافي وساحة حوار وتلاقي حضارات. لكن السرّ في إبهار الناس ليس هذا فحسب، وليس بالأعمال القيّمة وإن يؤخذ عليها أنها قليلة العدد مع 624 عملاً فقط، في حين أن اللوفر في باريس يحتوي على 550 ألفاً. السرّ يكمن في اللعبة الفنية ما بين الظل والضوء التي ابتدعها نوفيل في هندسته السياقية المجبولة بالهوية العربية عموماً والإماراتية خصوصاً. لعبة مبهرة متناغمة في عناصرها الأيكولوجية والجغرافية، وعلاقتها بالأرض والفضاء والتراث المعماري الإسلامي. فما أن تطأ قدماك باحة المتحف، تشعر برهبة أو طاقة ما، خصوصاً تحت تلك القبة المزدوجة التي تجسّد بقطر 180 متراً و7850 شكلاً متداخلاً، نجمة تحرس المكان الساحر الذي يمكننا اعتباره أهم معلم ثقافي معاصر في المنطقة العربية. الشمس هي مصباح أو كشاف ضوء اللوفر أبوظبي، إذ تتغير الأضواء وفق ساعات النهار والليل ويتغير معها لون النور الآتي من فوق. هذا الشكل الفني الخالص قال عنه جان نوفيل خلال مؤتمر صحافي عقده أمس، إنه متين جداً ومجهز ليتحمل كل الكوارث الطبيعية. ويرصد المتحف محطات تاريخ البشرية عبر مجموعات فنية غنية موزّعة على 12 قاعة عرض متداخلة. وقال محمد خليفة المبارك رئيس مجلس إدارة دائرة الثقافة ل «الحياة» إن الإمارات تعوّل على هذا الصرح ليكون مركزاً للحوار والتسامح وتربية الأجيال القادمة على الثقافة والفن. وعما إذا كان المتحف سيشجع السياح على زيارة أبوظبي، قال إن ذلك واحد من أهداف المتحف الكثيرة. ووعد ببرامج عالمية غنية يعمل عليها فريق العمل لجذب الإماراتيين قبل السياح، ولإحياء الروح الثقافية وخصوصاً لجهة تشجيع الشباب على العمل في مضمار الثقافة خصوصاً أن 50 في المئة من العاملين في متحف اللوفر أبوظبي هم إماراتيون. وأضاف أن المتحف يحتضن بين أروقته أعمالاً وتحفاً من أنحاء العالم، وسيلمس زوّاره (يفتح للجمهور في 11 الجاري) روح التعددية الثقافية والحضارية. أما المجموعة فتتراوح بين المقتنيات الأثرية العريقة والأعمال الفنية المعاصرة إضافة إلى المنحوتات الكلاسيكية الجديدة ولوحات بريشة أشهر فناني اليوم وغير ذلك من الأعمال التركيبية التي صمّمها فنانون بتكليف من المتحف، إلى جانب 300 من الأعمال المستعارة من متاحف فرنسية، منها لوحة «الحدّادة الجميلة» لليوناردو دا فينشي من متحف اللوفر و «بونابرت عابراً الألب» لجان لوي دافيد (فرساي) و «رسم ذاتي» لفنسنت فان غوغ (متحف أورساي). وتسبر المجموعة أغوار التاريخ البشري العريق عبر مجموعة من التحف النادرة والنصوص الدينية. ويسير الزوّار في رحلة نحو الاستكشاف والتبادل الثقافي عبر مجموعة من الأعمال الآسرة التي تضم إسطرلاباً تاريخياً ولوحة «العذراء والطفل» لجوفاني بيليني. وتركّز بعض القطع على فخامة البلاط الملكي في مختلف أشكاله في أنحاء العالم، ومن أبرزها تمثال رأس أوبا البرونزي ولوحة «السامري الصالح» للفنان جاكوب جوردانس. ويرصد اللوفر أبوظبي نشأة العالم العصري عبر سلسلة من اللوحات لرسامين معروفين، ويشمل ذلك لوحة «لعبة ورق بزيك» لغوستاف كايبوت و «عذوبة الشرق» لبول كيلي و «الأولاد وهم يتصارعون» لبول غوغان و «صورة شخصية لامرأة» لبابلو بيكاسو.