أجرت «الحياة» حواراً مع عميد كلية «إنسياد» الأوروبية العريقة للأعمال، ديباك جاين، الذي تسلّم منصبه حديثاً بعد خبرة امتدت ل 30 سنة في الجامعات الأميركية الكبرى، حيث عمل عميداً ل «كلية كيلوغ للادارة» في «جامعة نورث ويسترن» الأميركية لثماني سنوات، فكان أول شخص ذي أصول أجنبية يستلم المنصب. وجاين خبير في بحوث التسويق لمنتجات جديدة وتلك التي تتمتع بتقنيات عالية، وعمل مستشاراً حكومياً لدول كثيرة وشركات عالمية تعمل في قطاعات عديدة، منها «مايكروسوفت» و«نوفارتيس» و«أميريكان إكسبرس» و«سوني» و«نيسان». لفت جاين، خلال تواجده في بيروت لتقديم ندوة حول ريادة الاعمال والإبتكار بدعوة من قدامى خريجي «إنسياد» في بيروت، إلى ان التحدّي الجديد في عالم التسويق، هو الاعتراف بدور وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة (مثل «يوتيوب» و «فايسبوك» و «تويتر» والمدوّنات الالكترونية)، لأن وسائل التسويق والترويج والإعلان التقليدية «لم تعد كافية»، فالزبون السعيد من منتج معيّن يعبّر فوراً عن سروره في إحدى هذه الوسائل الالكترونية الثورية المذكورة آنفاً، فيشكل حملة تسويق طَوعية غير مقصودة لهذا المنتج، عبر مشاركة معارفه ورأيه فيه. وأشار الخبير المرموق إلى ظاهرة «التوجيه المعاكس» (reverse monitoring) في الشركات، إذ أصبح الموظف الصغير السن أفضل شخص يمكنه ان يعطي مشورة واقعية لرؤسائه في العمل حول اتجاهات سوق الاستهلاك، وبالتالي، «لم تعد الهَرمية الإدارية التقليدية سائدة». وأوضح جاين ان مهماته الرئيسة في منصبه الجديد في الكلية تتمحور حول فهم عميق لبيئة الأعمال في أوروبا، وتابع ان اولويات الجامعات الأميركية الكبرى اليوم هي مواكبة العولمة، أي استقطاب أساتذة وطلاب من جنسيات مختلفة، وحفز الشركات العالمية على توظيف خريجيها، في حين ان «إنسياد» طبّقت هذا الطابع المُعولم في التعليم منذ إنشائها، إذ أن لديها تواجداً قوياً في أوروبا (فرنسا) وآسيا (بفرعيها في سنغافورة وأبو ظبي). ولفت إلى انها تتميز عن سواها من كليات الاعمال العالمية بأنها «كانت الرائدة في إطلاق برنامج ماجستير في إدارة الاعمال يستغرق سنة واحدة، في حين ان الكليات الاميركية تطبقه لمدة عامين». وحول طموحاته لتطوير حرَم الجامعة في سنغافورة، كونه أميركياً من أصول هندية، أشار إلى انه سيعمل على توسيع نطاق استقطاب طلاب جدد ليشمل عمق آسيا، كالهند والصين. وحول رأيه في السبيل الافضل لتعزيز العلامة التجارية للدول في المنطقة، افاد بأن استضافة أبو ظبي لكلية أعمال عالمية ك «إنسياد» كانت «خطوة كبيرة في تعزيز العلامة التجارية لأبو ظبي، وتأكيداً على أنها قادرة على استقطاب مؤسسات تعليم عالمية مرموقة». ولفت إلى ان المنفعة متبادلة، إذ تستفيد «إنسياد» من مقرها الجديد في أبو ظبي في توسيع معرفتها للمنطقة وتساهم في تطويرها عبر بحوثها محلياً وتَلقين سكانها أساليب إدارة متطوّرة وعالمية، كما ان ابو ظبي بدورها تستفيد من تخريج مديرين قياديين يخدمون البلاد. وتابع انه خلال ندوة اقتصادية في آذار (مارس) الماضي في حرم الكلية في ابو ظبي، اشار مسؤولون إماراتيون حكوميون إلى ان اولوية الحكومة هو التركيز على التعليم، فتكون الكلية «بوابة تعريف للخريجين على الشركات العاملة في المنطقة». وحول نظرته إلى آفاق التطوير المستقبلية التي يجب ان تعتمدها الحكومات، أوضح جاين ان «التركيز يجب ان يكون دائماً على تطوّر احتياجات الافراد». واستطرد ان الدول المتطورة تواجه ارتفاع معدلات الحياة لمواطنيها، وبالتالي، ستكون في حاجة إلى وسائل ترفيه وإعلام المناسبة لهم طوال فترة تقاعدهم في منازلهم، إضافة إلى تطوير خدمات العناية الصحّية لهذه الفئة من المواطنين. وتوقع «استدامة الصحف عبر توسّعها في تقديم مواضيع تهم هذه الفئة من الناس». وأشار إلى أن دول العالم النامي التي تضم فئة شابة كبيرة، كالهند، ستختلف عن الدول المتطورة في أفضليات الاستهلاك لمواطنيها، الذين برأيه «سيحتاجون إلى خدمات لإدارة الثروة، إذ ان هذه الدول لا توفر لمواطنيها الامن الاجتماعي وبرامج التقاعد المتوافرة في الغرب، وبالتالي، سيحتاجون إلى خبراء يساعدونهم في ادارة مدّخراتهم، كما سيرغبون في السفر والسياحة، وهم بالتالي في حاجة إلى خدمات فندقية ومطاعم». وحول كيفية تلافي المشاكل والتظاهرات التي واجهتها دول عربية وعالمية أخيراً، لفت إلى ان الدول يجب ان تستثمر في برامج التعليم لتوفير فرص عمل لمواطنيها، فمن المعروف ان «الشخص العامل والذي يحظى بالعيش الكريم تصبح لديه دوافع أقل للتظاهر وافتعال المشاكل». وأضاف ان «السياسيات الحكومية بجب ان تكون موجّهة لتصيّد الفرص وتوفير مجالات عمل جديدة لمواطنيها»، مقدماً مثلاً على ذلك انه حين كان في ضيافة نائب رئيس السلفادور (أميركا اللاتينية)، نصحه بأن تعتمد البلاد خدمة «مركز الاتصال» (كول سنتر)، التي برَع فيها الهنود في خدمة زبائن الشركات العالمية من بُعد، عبر استقطاب عقود من شركات أميركية لخدمة زبائنها من ذوي أصول لاتينية الذين باتوا يشكلون نسبة كبيرة من المواطنين الاميركيين. ولفت إلى ان «شركات هندية انتبهت إلى هذه الفرصة، وأرسلت مواطنين إلى المكسيك لتعلم اللهجة الإسبانية المحكية، لتوسيع مروحة خدماتها للشركات الأميركية». وقال عميد برنامج «إدارة الاعمال التنفيذي العالمي» في «إنسياد»، خافيير غيمنو، ل «الحياة» ان حرم الكلية في أبو ظبي أطلق برنامج «إدارة الاعمال التنفيذي العالمي» العام الماضي، الذي يضم حالياً 26 منتسباً من 15 دولة عربية وأجنبية، من ضمنها الإمارات والسعودية ولبنان والهند وباكستان واوروبا واميركا، وهو يمتد على 15 شهراً ويوفر الخبرة للمديرين العاملين الذين يرغبون في توسيع معارفهم القيادية، كما لفت إلى تبادل للطلاب مع فروع الكلية الأخرى، إذ يأتون إلى أبو ظبي لمدة أسبوع للتعرّف إلى خصوصية البلاد. وحول آفاق التعاون من الشركات العالمية في تدريب كوادرها، خصوصاً ان معظمها بدأ في تأسيس برامج تدريب ذاتية دائمة لموظفيها، لفت غيمنو إلى تعاون الكلية مع «مبادلة» الإماراتية الحكومية و «جنرال إلكتريك» الأميركية في تطوير مركز مشترك لتدريب المديرين في أبو ظبي، كما سبق للكلية ان تعاونت في فرنسا مع شركة تأمين أوروبية كبرى عبر برنامج تدريب لمديرين موفدين منها مدة أسبوع على «المسؤولية الاجتماعية للشركات»، أعد بعدها هؤلاء لائحة توصيات رفعوها لإدارة الشركة. ويذكر ان كلية «إنسياد» (المعهد الاوروبي لإدارة الاعمال) تأسست عام 1957 في فونتان بلو (فرنسا)، بالتزامن مع توقيع «معاهدة روما» التي كانت المدماك الاول لتأسيس الاتحاد الاوروبي. وخرّجت الكلية، التي تعتبر من بين أفضل خمس كليات لإدارة الأعمال عالمياً والوحيدة خارج الولاياتالمتحدة وتضم 145 أستاذاً من 36 جنسية مختلفة، حوالي 41 ألف خبير من 160 دولة في ثلاثة اختصاصات هي الماجستير في إدارة الاعمال (يمتد البرنامج على 12 شهراً) وماجستير إدارة الاعمال التنفيذي للمديرين التنفيذيين (أطلق عام 2004 ويمتد 15 شهراً) وشهادة الدكتوراه في الأعمال. وحصل 495 من مواطني الشرق الاوسط وشمال أفريقيا على فرصة التخرّج من هذه الكلية، علماً ان اللبنانيين يشكلون شريحة كبيرة منهم إذ يبغ عددهم 252 شخصاً، وهم من بين أكثر خمس جنسيات ارتادت هذا الصرح. وأصبح للكلية حَرم جامعي آسيوي في سنغافورة عام 2000 وفي الشرق الاوسط في أبو ظبي عام 2007، ولديها تعاون مع «كلية تسينغوا» الصينية و«كلية وارتون للأعمال» الاميركية وبرنامج لتبادل الطلاب مع كلية «كيلوغ» الأميركية للأعمال.