بدأ الشارع العربي بعد ثورة تونس يسخن ويسخن حتى ثار في أرض الكنانة، ولأن اليمن جزء لا يتجزأ من هذه المنظومة بدأ الشارع يتحرك بإيعاز من الحركات السياسية فيها سواء في المعارضة أو حركات الانفصال أو حركات التمرد، فاليمن يشهد منذ عقد من الزمن صراعات وحروباً ومشاكل على كل المستويات وذلك بصناعة من هؤلاء وليس من الشعب. لقد عاش اليمنيون مع الصراعات والحروب والنزاعات وأصبح الأمر بالنسبة إليهم روتيناً يومياً يرتشفه مع إشراقه صباح كل يوم ويلتحفه مع غروب نهاية كل يوم، ولأن الشعب اليمني مكونه الاجتماعي ما زال عليه منذ الأزل فالشيخ هو الحاكم الآمر في منطقته ونظام القبيلة هو المسيطر على الأفراد لكن تحت سيطرة الدولة، ولأن النظام القبلي يحكمنا جميعاً ونصره أفراد القبيلة لبعضهم البعض واجب وملزم للكل، ولأن طبيعة التضاريس الجبلية لليمن لا مثيل لها في المنطقة، ولأن الرئيس الحالي لليمن محبوب من شريحة كبرى في البلاد على رغم التدهور الاقتصادي وذلك لعدة منجزات صنعها منها ترسيخ الأمن والوحدة والديموقراطية والتعددية الحزبية وطريقة تعامله المبسط مع الأحداث والصراعات وأيضاً عفوه الدائم عن كل من أخطأ في حق اليمن وأرض اليمن كالعفو عن الانفصاليين من الاشتراكيين (أصحاب فتنة صيف 1994) وعفوه عن الحوثيين المتمردين (أصحاب فتن ست حروب سابقة)، ولأن فشلة الوحيد يكمن في جانب مهم جداً هو الجانب الاقتصادي ومكافحة الفساد، فيمكن وبكل بساطة القول إن اليمن ليس كمصر أو تونس من هذا الجانب، فتونس ثارت فجأة بعد أن كانت مكظومة نفسياً وحريتها مكبلة، ولأن مصر وأهل مصر جاءتهم الجرأة بعد أحداث تونس فاستطاع المعارضون تحريك الشارع. أما اليمن فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يصبح تونس جديدة أو حتى مصر جديدة، فالشعب المعارض لحكم علي عبدالله صالح لا يتجاوز ربع المؤيد لحكمه، فكما رأينا خروج متظاهرين ضد الحكم فقد خرجت تظاهرات أكثر مؤيدة للحكم وهذا لم نشاهده لا في تونس الخضراء ولا في أرض الكنانة، فالرئيس في اليمن ما زال صاحب السلطة الشرعية أما مجلس النواب فزالت سلطته بسبب تعنت المعارضة في خوض غمار الانتخابات وتخوفها من الفشل المتكرر والمصاحب لها مراراً وتكراراً وهم يبحثون الآن أن يستفيدوا من تجارب مصر وتونس ليحققوا مبتغاهم بهذه الطريقة على رغم علمهم بأن اليمن ليس تونس ولا مصر، فاليمن يملك شعبه أكثر من 50 مليون قطعة سلاح عوضاً عما يملكه الجيش والأمن، فلو بدأت التظاهرات واشتعلت حماها وتحركت عجلتها ودارت رحاها فسيصل وضع اليمن إلى ما لا يحمد عقباه، وستحرق نارها كل من وقف أمامها من الفريقين.