بين ليلة وضحاها قرّرت رشا التخلي عن حياة ال Fast food (الوجبات السريعة)، بعدما اقتنعت بأن الصحة أهم من اعتبارات كثيرة وفي مقدمها المظاهر... تسع ساعات من أصل أربع وعشرين ساعة تقضيها رشا (30 عاماً) وحدها داخل غرفة صغيرة في شركة للعقارات، تتولى فيها مسؤولية المحاسبة. تتذكر يومها الأول في العمل الذي انتهى “بدوخة” عابرة عند عتبة منزلها، لأن الموظفة الجديدة حصرت تركيزها على إبراز موهبتها في العمل واكتساب ما يجب اكتسابه دفعة واحدة، متجاهلة “قرقرة” معدتها. في الأسبوع الأول اكتفت بحمل لوحي شوكولاتة داخل حقيبتها “يسندانها” عند اللزوم، الى حين رجوعها الى المنزل، حيث تعوّض ب ”الهجوم” على أطباق والدتها الشهية. خجل رشا الزائد منعها من سؤال زملائها في الغرفة المجاورة عمّا إذا كانوا يحبون مشاركتها في طلب ال “دليفري”، فاتخذت المبادرة بناءً على إلحاح غير مسبوق من معدتها الفارغة، بطلب سندويش مشبّع بالدهون والدسم مع مشروب غازي “دايت”. مرّت الأسابيع الأولى، ولم يتغير النمط الغذائي لرشا. ترويقة أساسها العجين وتختلف الحشوة بين “الزعتر” أو الجبنة أو اللبنة، وطعام الغداء يرتكز على المقالي بأنواعها كافة. لكن الموظفة الجديدة تمكّنت من نسج خيوط زمالة مع موظفين آخرين، وجدوا في مكتبها الصغير فسحة للدردشة والاستراحة وملء بطونهم على الواقف، مع غياب الغرفة المخصصة لتناول الطعام وتجهيزات الأكل والمشروب السريع في الشركة. “برستيج” رشا لم يسمح لها على مدى أشهر من تسلّمها منصبها، بحمل “زوادتها” الى مكان العمل، ولم تنفع نصيحة والدتها “بأن أكل البيت صحي أكثر وأقل كلفة”، في تغيير رأيها. أما الاعتبارات فكثيرة: الطعام المعدّ في المنزل بحاجة الى تسخين، والشركة غير مجهزة ب ”ميني مطبخ” (مطبخ صغير)، كما أن رائحة الطعام داخل الشركة قد تسيء الى صورتها أمام الزبائن... والأهم أن رشا غير مقتنعة بفكرة “الزوادة” التي لا تراها منسجمة مع منصب مسؤولة قسم المحاسبة وأناقتها “المفرطة”. ولذلك، فإن “عدوى” حمل “الزوادة” لدى بعض الموظفين لم تطل رشا، وإن كانت عيون الحسد طاولتها من رؤية الأطباق الصحية “تنافس” سندويشاتها “المستوردة” من محلات ال ”دليفري”. عمر خيار “الوجبات السريعة” امتد بما يكفي ليُشعر الموظفة رشا بأنها خارج المعادلة الصحية تماماً. فالفتاة الرشيقة باتت معروفة “بالمليانة”، إذ انها اكتسبت خلف مكتبها بعض الكيلوغرامات الزائدة، ولم تكن بحاجة الى السؤال عن السبب طالما أن “النق” من الطعام غير الصحي كان الغالب على حديثها مع زملائها في العمل. أكثر من ذلك، وفي حساب بسيط، اكتشفت رشا أن جزءاً من معاشها بات “رهينة” أكل السوق، خصوصاً أنها من أصحاب البخشيش “الدسم”. وإذا كان المثل الشائع يقول ان “مفتاح المعدة لقمة”، فإن مفتاح تغيير رشا لعاداتها الغذائية، كان لقمة من صحن إحدى زميلاتها. وهكذا تحوّل الحسد الى مشاركة شبه يومية بأطباق من صنع والدة رنا أو والدة طارق، زميليها في العمل، لكن قرار حمل “الزوادة” من المنزل بقي معلّقاً الى الوقت الذي تعلّمت فيه “من كيسها”... في أحد الأيام، وجدت على مكتبها منشوراً صغيراً لسناك جديد افتتح حديثاً بالقرب من الشركة، وميزته أن أسعاره أرخص من غيره. اختارت أحد الأصناف، ولم تتأخر “الطلبية” بالوصول. مذاق السندويش الدسم كان أقل من عادي. مؤشر لم تأخذه رشا على محمل الجد على اعتبار أن الجوع “كافر”. لم تمض ساعات قليلة حتى شعرت رشا بألم لا يحتمل في معدتها، كانت نتيجته الحتمية “التقيؤ”. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فحالتها الصحية استدعت نقلها الى “طوارئ” المستشفى لإصابتها بالتسمم... في اليوم الأول لمعاودتها العمل، تأبطت رشا “زوادتها” المنزلية، وفي اليوم نفسه اتفقت مع زملائها على الطلب من الادارة شراء “سخانة” للطعام واستحداث غرفة صغيرة لتناول الأكل فيها. “برستيج” الموظفة “المليانة” لم يتضرر، إذ ان الحجة توافرت وتقول رشا: “صحتي بالدق، والدكتور أجبرني على الإلتزام بالطبخ المنزلي...”.