«كان الوجود في ميدان التحرير خلال الايام الاولى للثورة المصرية حالة احتجاجية، لكن وجودنا اليوم هنا هو تعبير عن حالة فنية تشبه استراحة المحارب»، هكذا لخص الفنان التشكيلي المصري البارز محمد عبلة مبررات وجوده في ميدان عابدين أول أمس للمشاركة في مهرجان «الفن ميدان» الذي نظمه ائتلاف الثقافة المستقلة في مبادرة هي الأولى من نوعها بعد «ثورة 25 يناير». وبدا لغالبية الحضور ان اختيار المنظمين لهذا الميدان لم يكن عشوائياً، فهو يقع في وسط القاهرة التجاري غير بعيد من ميدان التحرير الذي صار رمزاً عالمياً للاحتجاج، وعلى بعد عشرين متراً من بوابة القصر الرئاسي التاريخي الذي شهد بدوره أول ثورة تبلور فيها شعار «مصر للمصريين» وهي ثورة أحمد عرابي ( 1882) التي تبلورت فيها مطالب تندد بسلطة الخديوي توفيق الفاسدة. الصورة العامة للميدان خلال المهرجان مغايرة للهدوء التاريخي الذي كان يميزه، فقد كانت أقرب ما تكون الى خلية نحل أو فضاء للتعبير الحر اتّسع في المدخل لاعلان «غرافيتي» رسمته الناشطة السياسية والاعلامية المعروفة في قناة «أوربت» بثينة كامل على الأرض. وتضمن صورة لفتاة ترتدي تنورة وكتبت تحتها شعارات معلنة رغبتها في الترشح الى منصب رئيس الجمهورية كأول سيدة مصرية تعلن الحرب على الفساد». الصورة اتسعت تدريجياً وطوال ما يقرب من عشر ساعات، لمشاركة ما يزيد على عشرين عازفاً ومؤدياً وشاعراً إضافة الى الفرق الفنية الموسيقية المحترفة ورسامي «الغرافيتي» الذين تفاعلوا مع الجمهور الذي مثل بدوره شرائح وفئات عمرية وثقافية مختلفة. العدد القليل نسبياً في بداية اليوم كاد أن يصيب المنظمين بالاحباط، غير أنهم ردوا السبب في تغيب الجمهور الى «تكاسل الاعلام» الذي لم يسلط ضوءاً كافياً للاعلان عن المهرجان «بينما أكد آخرون أن المهرجان هو «محاولة أولى» لا بد من أن تنطوي على جملة من الاخطاء التنظيمية التي شملت كذلك بدء فعاليات المهرجان متأخراً عن الموعد المعلن على صفحات «فايسبوك» بنحو ساعتين. الناقد عبدالحكم سليمان قال: «الجمهور في غالبيته يمثل فئات مدنية لديها رغبة في احتضان الفن بكافة صوره ومواجهة دعاوى التحريم التي تطلقها قوى سلفية تسعى للقفز فوق مكتسبات الثورة». وكما لاحظ سليمان فإن الجمهور تفاعل مع المكان باحترام وكانت وجوه الجميع ناطقة بالسعادة والبهجة، الامر الذي يؤكد أن «تواصل مبادرات من هذا النوع سيحقق الكثير عبر تراكم الخبرات». وهو الامر ذاته الذي أكدته الناشرة سمية عامر وهي واحدة من المشاركات في عضوية الائتلاف المنظم، مشيرة الى ان «الائتلاف قام بحملة طرق أبواب لسكان البنايات المجاورة للميدان لدعوتهم للحضور ووجدت استجابة ايجابية ونجحت في دفع الناس للحضور والتفاعل مع ما يجري». وفي سياق مغاير، يرى منسق العروض الموسيقية أحمد مغربي ومدير فضاء «مكان» وأحد أعضاء الائتلاف المنظم أن ثمة سلبيات كثيرة قللت من ايجابيات المهرجان، منها غياب خطة واضحة لاستغلال الميدان وتجهيزه لتشغيله على النحو الأمثل، حيث اختلطت الاصوات نتيجة وجود خشبتي مسرح كانتا تعملان في الوقت ذاته وبالتالي تداخلت الاصوات بطريقة صعّبت من مهمة الاستمتاع، لكن مغربي شدد على أن الأولوية كانت في استعادة حق اقامة مهرجان فني في الشارع وهو «حدث في حد ذاته». يشار الى أن المهرجان أقيم في 5 محافظات مصرية إضافة الى القاهرة هي الاسكندرية وأسيوط والسويس والمنيا وبورسعيد. وعرض طيلة النهار أعمالاً فنية من الموسيقى الى الغناء والمسرح والشعر والفنون البصرية وشاركت في فعالياته مجموعة من الفنانين والفرق الفنية منها: فرقة اسكندريلا، كورال يوتوبيا، فرقة مصطفى رزق، فرقة حالة، فرقة الساقية للعرائس، فرقة نبيل بهجت، فرقة حسب الله، فرقة السيرك المصري، فرقة تاكسي، فرقة بركة، فرقة الجميزة، والفنان أحمد الحجار، والشعراء: أمين حداد وزين العابدين فؤاد وطاهر البرمبالي وابراهيم عبدالفتاح. كما تضم الاحتفالية معارض للتصوير الفوتوغرافي والكاريكاتير وورشاً فنية للأطفال، ومعرضاً للكتاب شاركت فيه عشر من دور النشر المصرية. وبحسب المنظمين يسعى ائتلاف الثقافة المستقلة من خلال احتفالية «الفن ميدان» الى الإحتفال بثورة الشعب المصري والتأكيد على مطالبها، وإلى جعل الثقافة والفنون جزءاً من حياة الناس اليومية وتقديم خدمة ثقافية مجانية لكل أفراد الشعب المصري. ويطمح ائتلاف الثقافة المستقلة الى أن تقام هذه الإحتفالية مرة كل شهر في المدن المصرية كافة.