هل سيحرم الركود الاقتصادي الأفراد من رفاهية القراءة المجانية للاخبار من منطلق ان ما من صناعة في العالم تقدم سلعة مجانية لمستهلكيها كما يفعل الاعلام المكتوب من خلال مواقعه على شبكة الانترنت؟ وهل ستكون هذه الاستراتيجية هي الحل لتراجع مبيعات الصحافة الورقية في ظل الأزمات المادية التي تضغط عليها باتجاه الإقفال أو التحول الى نسخ الكترونية فقط؟ هذه بعض نقاط استحدثتها استراتيجية مردوخ الجديدة، وحركت الجدال حول مصير الصحافة الورقية الآن. صحيفة «غارديان» البريطانية تناولت القضية أخيراً، من منطلق انه كلما اتخذ مردوخ قراراً استراتيجياً في مجال الإعلام، استنفر القائمون على صناعة الميديا في العالم، مترقبين تداعيات القرار ليلحقوا به أو يرفضوه. ففي بريطانيا مثلاً، قد يبدأ قراء صحيفة «تايمز» و «صن» دفع الرسوم بدءاً من العام المقبل، وهي إشارات لا يمكن تجاهلها من مالك أكبر امبراطورية إعلامية في العالم. إذ حاول مردوخ سابقاً، بعد تملكه للصحيفة الأميركية العريقة «وول ستريت جورنال» ان يجعل تصفحها مجاناً على الانترنت، لكنه تراجع عن قراره وفرض رسوماً عليه، بعدما تنبّه الى انه اشترى واحدة من قلائل الصحف في العالم التي يمكن ان يدر موقعها الالكتروني دخلاً مهماً الى رصيده. ويجادل الرافضون لقراره ان نموذج «وول ستريت جورنال»، خاص جداً ولا يمكن تعميمه. فالصحيفة مصدر إخباري مهم لحركة المال والأعمال في العالم، وهذا لا ينطبق على الصحف التي توفر خدمة خبرية يمكن الحصول عليها من مصادر أخرى مجانية. وتلفت كارولين ماكول، الرئيسة التنفيذية لمجموعة «غارديان ميديا غروب»، الى ان نقطة مهمة ليست لمصلحة الصحافة البريطانية في هذا المجال، وهي ان مجانية مواقع «بي بي سي» تجعل من موضوع فرض الرسوم على النسخ الالكترونية مستحيلاً تقريباً، «فهذه المؤسسة ممولة من دافعي الضرائب وتقدم لهم الخدمة مجانية، فكيف يمكن التنافس معها بفرض الرسوم على دخول مواقعنا»؟. وتسننتج ماكول ان وجود خدمات «بي بي سي» المجانية على أنواعها في التلفزيون والانترنت، يفرض على كل مسؤول تنفيذي في وسائل الإعلام الأخرى التفكير مرتين قبل ان يقدم على تصرف مثل هذا. إذ قامت «هيئة الاذاعة البريطانية» (بي بي سي) منذ نشأتها على شعار حرية تدفق الأخبار ومجانيتها لكل فرد. ويذكر كريس ترايهون في «غارديان» ان مواقع الصحف البريطانية على الانترنت أو نسخها الالكترونية جعلتها تصل الى أرجاء العالم، وكلما زاد دخول المتصفحين... ارتفع احتمال الحصول على الاعلانات في تلك المواقع. وبالطبع فإن الفضل يعود الى تقدم خدمة شبكات الانترنت وإيصال خدمة ال «برودباند» (خدمة الانترنت السريعة والمتواصلة طوال اليوم) الى غالبية البيوت تقريباً، فهي خدمة سريعة ومتوافرة طوال ساعات اليوم. وهذه ملحوظة تجعلنا نفكر عميقا بتأثير خدمات الاتصال والتطور التكنولوجي على تغير اسلوب مخاطبة وسائل الإعلام للجمهور الواسع، شكلاً، وبالضرورة، مضموناً أيضاً. أما السؤال المهم الذي يطرح نفسه أمام تحدي الاعتماد على فرض رسوم على النسخ الالكترونية للصحف، فهو: هل يمكن الاكتفاء بالإعلانات على مواقع الانترنت بديلاً من الدخل الذي توفره الإعلانات في الصحافة الورقية؟ إذا استخدمنا مثالاً عملياً على ذلك من مجموعة «تيرنيتي ميرور» التي تصدر صحيفة التابلويد «ذا ديلي ميرور»، فإن إجمالي الدخل من الإعلان على موقعها ارتفع في عام 2008 بمقدار 27.1 في المئة، إلا انه يبقى يشكل 5 في المئة فقط من إجمالي أرباح المجموعة. ولا يزال المعلنون يرون فروقاً بين مستهلكي الصحافة الورقية الذين يقضون وقتاً أطول في تصفح الجريدة والنظر الى الإعلانات الموجودة فيها، وبين متصفحي مواقع الانترنت، الذين يمرون على الصفحة بسرعة، أو بالصدفة البحتة. ولكن روب غريمشو، مدير تحرير صحيفة «ذي فاينانشال تايمز» الرائدة بين الصحف البريطانية في فرض اشتراك على الدخول الى موقعها منذ سبع سنوات، يعتبر ان الدخل المتأتي من 110 آلاف اشتراك يصل الى ثلث مبيعات الصحيفة الورقية، ولكنه لا يحسب الأمور بهذا الشكل، ويطالب بالنظر الى كلفة الخدمة على الموقع التي هي اقل بكثير من انتاج الخدمة الورقية. في الولاياتالمتحدة أبدى البعض تخوفاً من التسرع في تطبيق استراتيجية مردوخ، لكونها قد تفقد الصحيفة قراءها. ولكن المتحمسين يعتقدون ان وسائل الاعلام ستواجه في المستقبل القريب - ولا بد من هذه اللحظة - ماذا ستفعل في ظل الركود الاقتصادي وتراجع المبيعات والإعلانات، كما يؤكد زخاري سيورد، المحرر المساعد في المشروع التابع لجامعة هارفارد الهادف الى إيجاد حلول لأزمات الصحافة المكتوبة في زمن الانترنت. إلى ذلك، يعترف ريك ادموند، المحلل في مجال الميديا والأعمال في معهد بوينتر للصحافة في ولاية فلوريدا، بخطورة التسرع في تطبيق الفكرة، مذكراً بأن الكثير من الصحف الأميركية طبقتها في وقت ما، على خدمات معينة وليس على كامل الخدمة في الموقع الالكتروني، كما هي الحال مع صحيفة «نيويورك تايمز» في خدمة «اختيارات خاصة». وأثبت الأسلوب فشله فشلاً ذريعاً، إذ لاحظت تلك الصحف ان زيارة القراء المتصفحين للموقع، انخفضت في شكل واضح. وعلى رغم كل ما قيل، يبحث مردوخ والمتحمسون لاستراتيجيته، عن نموذج سباق في مجال فرض رسوم على الخدمات الفكرية، مثل الموسيقى والأفلام السينمائية، التي يمنع مالكوها تنزيلها مجاناً من الانترنت. ويعتقد بعضهم ان التكنولوجيا قد تساعد في حل أزمة الصحافة الورقية، إذ بدأت بعض الصحف اتصالاتها مع شركة «أمازون» للتفاوض حول الكتاب الالكتروني المعروف باسم «ذا كيندل ريدر» بنسخته الثانية المطورة ليستقبل قراءة الصحف أيضاً، وهذا اقتراح لا يتحمس له مردوخ كثيراً على ما يبدو، وكذلك الأمر مع التصفح عبر اجهزة ال «بلاك بيري» وغيرها من أجيال الجوال، ويصر على خيار التعامل مع الكومبيوتر مباشرة. في النهاية، علينا ان ننتظر الوقت والنتائج في حال أصرّ مردوخ على تطبيق استراتجيته الجديدة للتخلص من ضغط الكساد الاقتصادي العالمي. لكن قارئاً بريطانياً من متصفحي الانترنت سخر من الفكرة، معتبراً ان الاخبار التي ستحجب عنه وعن غيره عبر فرض الرسوم، ستكون متاحة في مواقع أخرى ولن يخسروا شيئاً معها، وان «المدونين يعملون، أحياناً، في شكل أفضل من الصحف، وعلى ملاكها ان يتعلموا شيئاً من المدونات، مثل كيفية ضغط مصاريفهم وتطوير خبراتهم لمنافسة الصحف العريقة».