أ ف ب - تنتشر في الشارع الرئيسي لمدينة طرطوس في غرب سورية صور عسكريين ومقاتلين موالين لنظام الرئيس بشار الأسد قتلوا في المعارك المستمرة في سورية منذ ثلاث سنوات. المنطقة التي تعتبر خزاناً بشرياً للقوات النظامية المقاتلة ظلت في منأى عن العمليات العسكرية، لكنها تعد العدد الأكبر من «الشهداء». على جدران محطة الحافلات المركزية في المدينة صور القتلى، غالبيتهم من الشباب، باللباس العسكري ويحمل كل منهم رشاش كلاشنيكوف. في خلفية الصورة، مظلات، صور للأسد ووالده الرئيس حافظ الأسد، وأحيانا العلم السوري أو... صورة المسيح. على أبواب المحال التجارية الزجاجية، صور كبيرة ل «الأبطال الشهداء». في ساحة الشهداء لوحات كتبت عليها أسماء المقاتلين والجنود الذين «استشهدوا في الحرب ضد الإرهاب». وأعلن «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أول من أمس أنه وثق مقتل أكثر من 162 ألف شخص في النزاع السوري منذ اندلاعه في منتصف آذار (مارس) 2011، بينهم 61170 من عناصر قوات النظام والمجموعات المسلحة الموالية لها. ويقول محافظ طرطوس نزار موسى لوكالة «فرانس برس»: «تمت تسمية طرطوس أم الشهداء لأنها المحافظة التي تعد نسبيا (بالمقارنة مع عدد السكان) العدد الأكبر من القتلى في الجيش وفي قوات الدفاع الوطني، وهو 4200 يضاف إليهم ألفا جريح وألفا مفقود. لا يوجد حي ولا قرية لم تنل نصيبها من الشهداء». ويبلغ عدد سكان محافظة طرطوس 900 ألف. ويقول مدير «المرصد» رامي عبدالرحمن إن نصف عدد الجنود والمسلحين الموالين للنظام القتلى يتحدر من طرطوس. ويشعر سكان طرطوس بالفخر لمشاركتهم في القتال. ويقول أحمد خضور العائد من دفن شقيقه حسن (40 عاماً) العنصر في «قوات الدفاع الوطني»، وهي ميليشيات موالية للنظام، خلال مشاركته في القتال في منطقة حدودية مع تركيا: «حدود طرطوس ليست حدود المحافظة، بل حدود سورية». ويضيف فيما وقفت إلى جانبه شقيقته تبكي بغزارة: «أبناء طرطوس يقاتلون في مناطق اللاذقية (غرب) وحلب (شمال) والقلمون (شمال دمشق). يذهبون في كل مكان ويسقطون شهداء الدفاع عن الوطن». ويقول موسى إن أكثر من عشر سيارات إسعاف تأتي كل يوم إلى مطار اللاذقية لنقل جثث تصل إليه من مناطق مختلفة في البلاد. ويقول رامي عبدالرحمن إن «الساحل والطائفة العلوية هما الخزان البشري للنظام»، مشيراً إلى أن «الخطاب الطائفي ضد «النصيريين» (العلويون) لبعض المجموعات المتطرفة أعطى النظام ورقة إضافية لتشجيع العلويين على الانخراط في القتال». ويضيف: «إنهم يقاتلون حتى النهاية، واثقين أن الخيار الوحيد هو إما بشار الأسد وإما نهاية العلويين». في مقبرة طرطوس، يرتفع علم سوري فوق حوالى مئة مدفن إلى جانب صور للضحايا. وعلى مدافن أخرى، أرقام للضحايا المجهولي الهوية. وتنتشر الزهور في كل مكان. ويوضح المحافظ أن الالتحاق الكثيف بالقتال في المحافظة أسبابه اقتصادية وعقائدية. ويقول: «المنطقة فقيرة، ولا توجد فيها أراض زراعية كافية أو مصانع كثيرة، وقطاع الخدمات ضيق. لذلك، يلتحق كثيرون بالجيش». إلا أنه يشير إلى أن طرطوس «هي المحافظة الوحيدة التي اختفت فيها الأمية، والناس الذين يعرفون القراءة والكتابة، أدركوا حجم المؤامرة على بلادهم ويريدون وقفها». وأنشئ في 2013 «مكتب للشهداء» في كل محافظة لمساعدة العائلات. وتقول مديرة مكتب طرطوس منى إبراهيم، الأرملة لضابط في الجيش قتل في 2011 في حمص (وسط)، «أستقبل يومياً حوالى مئة أرملة ويتيم، وأحاول مساعدتهم عبر مخصصات من الدولة لهذا الغرض». ويقول فابريس بالانش، المختص في علم الجغرافيا والخبير الفرنسي في الشؤون السورية، إن سكان محافظة طرطوس يتوزعون بنسبة 80 في المئة من العلويين وعشرة في المئة من السنّة وتسعة في المئة من المسيحيين وواحد في المئة من الإسماعيليين. ويشير إلى أن تسعين في المئة من العلويين يعملون في إدارات الدولة وفي الجيش. ويضيف: «عندما بدأت الأزمة، أنشئت ميليشيات ولجان مسلحة لدعم الجيش، ثم تم استدعاء الاحتياط: كل الرجال بين عشرين وأربعين سنة في المناطق العلوية تقريباً تجاوبوا مع نداء النظام للدفاع عنه».