في باحة منزل في الرقة السورية، يتمايل رجال ونساء على إيقاع موسيقى فلكلورية احتفالاً بزواج أحمد وهبة، في مشهد كان يعد ضرباً من الخيال خلال سيطرة تنظيم «داعش» على المدينة في الأمس القريب. ويقول سكان حي الجزرة على الأطراف الغربية لمدينة الرقة إن هذا الاحتفال هو الأول من نوعه منذ طرد التنظيم الارهابي من المدينة قبل أكثر من أسبوع، بعدما كانت الأفراح والاحتفالات ممنوعة. على إيقاع الأغاني الشعبية والزغاريد، تتشابك أيدي رجال مع نساء زينَّ وجوههن بمساحيق التجميل وارتدين أثواباً فضفاضة مزركشة، ليشكلوا معاً حلقة لرقص الدبكة. وبالقرب منهم يلهو الأطفال بينما ترتسم الابتسامة على وجوه المدعوين كافة. وتمتزج الأهازيج التي يرددها كبار السن والمدعوون مع ضجيج مولد كهربائي وضع في باحة المنزل المتواضع في الحي الشعبي الذي ما زالت بعض منازله مهجورة فيما دمر بعضها الآخر بفعل المعارك التي خاضتها «قوات سورية الديموقراطية» على مدى أربعة اشهر ضد التنظيم الإرهابي. وكان حي الجزرة من أول الأحياء التي حررتها هذه القوات التي تضم فصائل كردية وعربية مدعومة من واشنطن. وتمكنت عائلة العريس من العودة قبل شهر إلى منزلها فيما لا تزال المدينة خالية من معظم سكانها. ويقول عثمان إبراهيم لوكالة «فرانس برس» أثناء استقباله المهنئين بزواج ابنه: «نحن فرحون للغاية وهذا أول عرس بعدما ذهب الدواعش». ويوضح الرجل الخمسيني «قبل داعش، كانت أعراسنا كلها عبارة عن رقصات دبكة وأغان وملابس فلكلورية فراتية، لكن داعش منع ذلك كله، والآن نعود كما كنا فرحين ومبتهجين». بالقرب من والد العريس، تصدح حنجرة رجل سبعيني يرتدي زياً عربياً تقليدياً بمواويل تراثية ويصفق الحاضرون إعجاباً. وفي باحة المنزل، تتمايل نساء وضعن أحمر الشفاه ومستحضرات التجميل. كما يشاركن في حلقات رقص الدبكة، بعدما كان تنظيم «داعش» خلال سيطرته على المدينة التي كانت معقله الأبرز في سورية، يفرض على النساء ارتداء النقاب والقفازات والعباءات السود ويمنع اختلاطهن بالرجال في الأماكن العامة. وسط المدعوين وعلى كراس بلاستيكية، يجلس العروسان يراقبان المحتفلين بزواجهما من دون أن تبدو ملامح الفرح على وجهيهما. يرتدي العريس أحمد (18 عاماً) الأسمر البشرة عباءة بنية اللون وتجلس بقربه هبة بثوبها الأبيض وطرحتها المزينة بورود بيضاء. وتتدلى على جبينها سلسلة من الذهب علقت فيها أسماك صغيرة. تمسك هبة التي يبدو الخجل واضحاً على معالم وجهها ونظراتها، باقة من الورود البلاستيكية في يدها المنقوشة بالحناء، بينما تلتقط نساء صوراً للعروسين بهواتفهن الخلوية. على بعد أمتار، ترقص فتيات صغيرات تزينَّ بأحمر الشفاه والكحل العربي بالإضافة إلى أساور بلاستيكية ملونة. وينهمك فتيان في توزيع الكراسي البلاستيكية على الضيوف الذين يتوافدون الى المنزل وتقديم المياه والشاي. من حلقات الرقص إلى الدبكة، تنتقل أم أحمد (25 عاماً)، ابنة عم العريس، بعباءتها السوداء المزينة بخطوط ذهبية فيما ينسدل شعرها على كتفيها. وتقول ل «فرانس برس» مع ابتسامة لا تفارق محياها: «لم نحتفل منذ فترة طويلة والحمدلله نحن الآن فرحون ومرتاحون». وتضيف: «في السابق كانت أعراسنا جميلة جداً (...) إن شاء الله سنفرح كما نشاء ونحتفل بسعادة بعد تحرير الرقة وانتهاء زمن داعش». يتصدر خلف المحمد (27 عاماً) ابن عم العريس حلقة رقص الدبكة ويمسك بيده مسبحة يحركها على إيقاع الموسيقى ابتهاجاً. ويعرب ل «فرانس برس» عن سعادته بعودة الأمور إلى طبيعتها في المدينة التي كان تنظيم «داعش» قد سيطر عليها منذ العام 2014 وشهدت عمليات اعدام مروعة نفذها في ساحاتها العامة. ويوضح خلف «منذ سنوات لم نرقص الدبكة ولم أستمتع وأشعر بطعم الحياة (..) الجميع وحتى العريس كان ينتظر هذه اللحظة. كيف يكون للزواج طعم وكله أسود بأسود؟»، ثم يضيف مبتسماً: «اليوم كله أبيض». لم يتمكن جميع أقرباء العروسين من حضور زواجهما، فبعضهم نزح وعجز عن العودة جراء الألغام الكثيفة التي خلفها «داعش» في حين قتل عدد منهم خلال المعارك. ورغم ذلك، لا يزال للفرح مكانه. وتقول خالدية (30 عاماً) إحدى قريبات العريس، بعد استراحتها من الضرب على الطبلة: «سيعم الفرح الرقة». وتضيف أنه من الآن وصاعداً «سنحتفل كما نشاء من دون أن يمنعنا أحد من الغناء والرقص».