تتركز اهتمامات الجميع على الحرب في ليبيا، في وقت ما زالت الثورة دائرة في مصر. وهذه مسألة كبيرة الأهمية لا ينبغي لجيرانها ولدول أخرى أن تنساها. والاحتجاجات التي كان أكثرها سلمياً والتي أطاحت الرئيس حسني مبارك قبل ستة أسابيع، ستكون المرحلة الاولى فقط من انتقال نأمل ان يكون نحو مستقبل ديموقراطي. مصر هي البلد العربي الأهم ومعيار التغيير في العالم العربي. وسيكون على المصريين الالتزام الصارم – على امتداد عقود - لإبقاء هذا الوضع في الإطار السليم. وستتحسن فرص النجاح تحسناً عظيماً اذا ابدت الولاياتالمتحدة وغيرها من الدول الديموقراطية الكبرى استعداداً للمساعدة. وجرى في مصر يوم السبت (19 آذار/مارس) أول استفتاء حر ونزيه. لقد أدلى ملايين بأصواتهم وأقروا بأكثرية كبيرة تسعة تعديلات دستورية تمهيداً للانتخابات الرئاسية والتشريعية التي من المنتظر حصولها في وقت لاحق من العام الحالي. وتشكل التعديلات بداية تفكيك نظام عنيف وقمعي. وتحدد مدة بقاء الرئيس في منصبه (فترتان رئاسيتان كل واحدة من اربع سنوات) وتسهل على المرشحين الوصول الى السباق الرئاسي وتضيق قدرة الرئيس على فرض حالة الطوارئ. مع ذلك، اكتنفت العملية ثغرات. لقد وضعت التعديلات لجنة عيّنها المجلس العسكري الذي يحيط نفسه بالسرية وسارع الى عرضها على التصويت. لم يجر تعميمها ونشرها على نطاق واسع. وسيأتي لاحقاً وضع دستور جديد كامل. ونشارك استياء المعارضين الشبان الذين قاموا بالثورة ويشعرون بالقلق من تعرض الديموقراطية للاختطاف من جماعات منظمة تنظيماً رفيع المستوى، وقامت بحملات قوية تأييداً للتعديلات: انصار النظام القديم والإخوان المسلمون. واتخذت الحكومة العسكرية يوم الاربعاء الماضي خطوة جديدة نحو الحكم المدني بتسهيل اجراءات تشكيل الاحزاب. لكنها وضعت ايضاً الأسس لتجريم التظاهرات. ويتعين رفع حالة الطوارئ القاسية المعتمدة منذ عقود والتي تحد من حرية التعبير والتجمع. وسيكون الوضع افضل كثيراً اذا تشارك المحتجون ومجموعات المجتمع المدني في اتخاذ هذه القرارات بما فيها تحديد مواعيد الانتخابات. والمصريون على حق في الافتخار بما انجزوه وبالحذر من الخارج خصوصاً من الولاياتالمتحدة التي دعمت النظام السابق طويلاً. بيد أن عليهم اجراء اصلاحات سياسية سريعة. وإذا قاوموا المساعدة الاميركية، فهناك الكثير من الدول التي اقامت حديثاً حكوماتها الديموقراطية والتي يمكنها تقديم النصيحة في شأن الاحزاب السياسية وحكم القانون. ويمكن الولاياتالمتحدة وأوروبا توفير امكانات كبيرة في مجال الاصلاح الاقتصادي. فالاقتصاد المصري الذي تديره الدولة – ويملك الجيش المصري حصة كبيرة فيه - فشل في توفير فرص العمل للملايين من الشبان المصريين. وحزمة المساعدات الأميركية التي تبلغ ملايين عدة من الدولارات بداية جيدة. وتعهدت ادارة اوباما كذلك بالإبقاء على المساعدة القديمة التي تقدمها لمصر والبالغة نحو 1.5 بليون دولار اكثرها مخصص للجيش. بيد أن المسألة تحتاج الى ما يزيد عن ذلك، ينبغي ان يتابع الغرب اتفاقياته الثنائية والاقليمية مع مصر (وسيكون من المفيد لإسرائيل ان تشارك فيها). وعلى الكونغرس أن يسرع في إقرار انشاء الصندوق الاميركي - المصري الذي اقترحته ادارة اوباما والسناتور جون كيري وآخرون. ويهدف الصندوق الذي صمم على نحو الصناديق التي أُنشئت لمساعدة دول اوروبا الشرقية بعد الحكم الشيوعي، الى تحفيز الاستثمارات التي يحتاج القطاع الخاص اليها حاجة شديدة. ولئن كانت كلفة الصندوق غير معروفة، فإن المال يفترض ان يوجه من حسابات أُقرت سابقاً. هذه لحظة وعد عظيم – ومجازفة عظيمة - في العالم العربي. والنجاح ليس مضموناً. وعلى واشنطن وحلفائها تقع مسؤولية العمل عملاً خلاقاً وسريعاً لمساعدة المصريين على بناء ديموقراطيتهم لجعلها مرساة الاستقرار والتسامح في الشرق الاوسط. * افتتاحية، عن «هيرالد تريبيون» الاميركية، 24/3/2011، اعداد حسام عيتاني