جغرافيا سَاحِرَة تتوزع على مساحة آسرة باتجاه الوطن/ جنوباً، تستقبل المقبل لها بروائح الفل والكادي، وتطربه شعراً ونثراً، ولن يحلو بها أو لها سمر ولا ترحاب إلا بعد أن ينثر «ابن الجغرافيا» ما تيسر له من لذيذ الشعر، وجميل العبارة، ويخبرك أنه يتنفس المفردة، ويجيد الحديث شعراً ونثراًَ. تأتي لها حاملاً في حقيبة توقعاتك أنها تمثل فقط حداً جنوبياً، وأن أقصى ما يمكن مشاهدته فيها ساحلاً بحرياً عادياً، ووجوهاً مختلفة بسيطة، وجواً دافئاً معقولاً - وللبحر فتنة لا تقاوم، وهي تقود لوحدها من أجل الانتقال من مكان لآخر - لكنك تفاجأ بأن إغراء المكان لا يتوقف عن مشهد البحر والوجوه والجو، بل إن هناك جبالاً تحتفي بالغيم والضباب يقف على قمتها صعوبة وصموداً وسحراً وتحدياً «جبال فيفا» ويمثلها إنسان صامت وصامد، وهناك وديان متناثرة يتزعمها غرابة وصلابة و«وادي لَجَب» بإنسانه اللماح الجريء وجبله الشاهق الأسود، وهناك جزر متناثرة تتحدث عنهم دوماً بالنيابة سيدة الحسن والشعر والدفء والجمال «جزيرة فَرَسَان»، وهي التي لا يخلو بيت فيها من شاعر لافت يمثل الإنسان الطيب الذي يتحدث بشفافية الماء، وحتى لا أقفز إلى سطر آخر لا بد أن أضيف عنها معلومة تستحق أن تحفظ وتدون وتذكر دوماً حين يستدعي الحديث ذكرها، تقول المعلومة «إن نساء هذه الجزيرة يعبرن عن حزنهن بارتدائهن الثوب الأبيض»، وأقول إن أي مكان يعبر أهله عن الحزن بالبياض، فلأن البياض راسخ في أنفسهم، وأرواحهم، وبوحهم، ولغة حديثهم. تنقصنا بالفعل الثقافة الوطنية عن الأمكنة، نذهب لنشاهد ونتعرف على البعيد ونحن في حاجة ماسة وفقر ملموس لمعرفة تفاصيل وثروات القريب جداً، وأعترف بأني واحد من الذين أملك نقصاً في هذه الثقافة، فأنا لا أبعد سوى 200 كيلو متر عن أرض المانجو وشيخة «الفل» ومشتى «الكل» وزعيمة الشعر والشعراء «جازان»، وللمرة الأولى أعرف أنها تحتوي هذا المزيج الطبيعي، والتنوع السياحي المغري، واكتملت عنها رؤية شاملة وكاملة عن ثراء لم نسمع عنه كثيراً، ربما لأن إنسانها مشغول جداً ببناء الجامعة، وترتيب الشاطئ، وصيانة الجبل، وتهيئة الجزيرة، واستقبال الضيوف الذين تصمت ألسنتهم قليلاً لاستيعاب ما أمكن من أحاديث الشفاه، وعرق الجباه، وقصة الساحل التهامي المتحول إلى عروس مصغرة تشبه العروس الكبرى «جدة»، ربما «ابن جازان» مشغول أيضاً بإهداء القادمين عصابة رأس ممتلئة بالورد، ووشاح صدر من الفل الخالص النقي كأهله. لست هنا لأتحدث عن جازان الحالمة، وعن قائد ربانها، لكني بالفعل مندهش جداً من انتقال المكان من الألف باتجاه الياء في زمن وجيز وبعمل مذهل كان ابن جازان فيه البطل الخجول، وصانع التنمية، والباحث عن القمة بهدوء، والجَامِعَة المستجدة هناك تؤكد أن إنسان الأرض طموح مجتهد، ويعرف كم يحتاجه الوطن؟ وماذا ينتظر منه المكان، ما يحتاجه فقط أن تتنازل له الجيوب الممتلئة فتضع له شيئاً من استثماراتها على هذه التربة الندية، والأرض البكر وتقفز به سريعاً، ما يحتاجه أيضاً أن يلتفت إليه الباحثون عن المواهب والقدرات والإمكانات البشرية، فهو موهوب بالفطرة، من أرض جل من فيها يتحدث بالفطرة! [email protected]