البدء بأعمال المرحلة الأولى لصيانة وتطوير تقاطعات طريق الملك عبد الله بالدمام    «التجارة»: 16% نسبة نمو الخدمات الإدارية والدعم    الذهب ينخفض بضغط من ارتفاع الدولار وترقب قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي    "التعاون الإسلامي" يؤكد دعمه لصمود الشعب الفلسطيني في أرضه ويرفض محاولات التهجير القسري    رئيسة وزراء إيطاليا تغادر العُلا    بدء استقبال طلبات إيفاد المعلمين إلى 13 دولة    تعليم الشرقية يختتم استضافته فعاليات المخيم الكشفي (البحري)    نائب أمير الشرقية يستقبل الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر    قطاع التأمين في السعودية يحقق التنوّع الاقتصادي بما يتماشى مع رؤية 2030    «السوق المالية»: 55 ملف طلب إدراج شركات.. 20% منها «عقارية»    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 14 لمساعدة الشعب السوري الشقيق    بعد تراجع كولومبيا.. واشنطن توقف قرار فرض الرسوم الجمركية    ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة يشيدون بعناية المملكة بالمواقع الدينية والمعالم التاريخية    المياه الوطنية تطلق برنامج تقسيط توصيلات المياه والصرف الصحي المنزلية    النازحون يعودون إلى الخراب في شمال غزة    9 جلسات حوارية بالأسبوع الإعلامي بجامعة أم القرى    تقنية الطائف تقيم لقاء توظيف بعدد 300 فرصة وظيفية    العبد الجبار يطلع على استعدادات رالي حائل الدولي    رئيسة وزراء إيطاليا تزور منطقة الحِجِر والمعالم التاريخية والأثرية في العُلا    إغلاق معمل لتحضير المأكولات الرمضانية في جدة    وزير الخارجية الفرنسي يُعلن رفع بعض العقوبات المفروضة على سوريا    عقار يبشر بإمكانية استعادة الرؤية للمصابين بتلف الأعصاب    السماح للأجانب بالاستثمار في أسهم الشركات العقارية المدرجة التي تستثمر في مكة والمدينة    5 أسباب للتقليل من استهلاك الملح    «واتساب» تعتزم توفير ميزة الحسابات المتعددة لهواتف «آيفون»    7 خطوات بسيطة.. تملأ يومك بالطاقة والحيوية    نجل «سعد بن جدلان»: قصائد منسوبة لوالدي لم يكتبها    «النقانق والناجتس» تسبب العمى لطفل بسبب سوء التغذية    "سلمان للإغاثة" يوزّع مواد إغاثية في مدينة حرستا بمحافظة ريف دمشق    طفاية الحريق في المركبة.. أمن وسلامة    الجوال السبب الأول لحوادث المرور في القريات    أمير الشرقية يطّلع على إنجازات جامعة حفر الباطن    نائب أمير مكة يستقبل المعزين في وفاة أخيه    «صراع الصدارة» الاتحاد والهلال يواجهان ضمك والقادسية    مؤتمر «خير أُمّة»: محاربة الجماعات المنحرفة ومنعها من تحقيق أغراضها الباطلة    رضا الناس غاية لا تدرك    الزيارات العائلية    فعالية «مسيرة الأمم»    بعد اشتباكه مع قائد الفريق.. مدرب ميلان: اللاعبون كالأطفال بحاجة للتأديب أحياناً!    «بيدري» برشلونة يقترب من دوري روشن    كيف يعشق الرجال المرأة.. وكيف تأسر المرأة الرجل؟    ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون معالم المدينة المنورة    مزارع الريف    المملكة تدين استهداف المستشفى السعودي في الفاشر    أكذوبة محاربة الاحتكار الغربية    شرطة النعيرية تباشر واقعة شخص حاول إيذاء نفسه    دراسة: الإجهاد النفسي يسبب" الإكزيما"    نائب وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة (105) من طلبة كلية الملك فيصل الجوية    نيمار حدد موعد ظهوره بشعار سانتوس    طلال بن محفوظ - جدة    النصر يؤكد بقاء الثنائي العقيدي وغريب :"عيالنا .. كفاية إشاعات"    السعودية باختصار    المشكلة المستعصية في المطار !    شريف العلمي.. أشهر من طوّر وقدّم برامج المسابقات المُتَلفزَة    ولاء بالمحبة والإيلاف!    أمير القصيم يوجّه بتسمية قاعة في غرفة المنطقة باسم رجل الأعمال الزويد    ضيوف الملك.. خطوات روحية نحو السماء    الديوان الملكي: وفاة والدة الأمير فهد بن سعود بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود بن فيصل آل سعود    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في تعددية ولا معيارية الثورات الديموقراطية
نشر في الحياة يوم 28 - 03 - 2011

كان «اكتشاف» المجتمعات العربية لتعدديتها، وإن عبر عدوى الانتفاض والثورات الشعبية، والتواجد في ساحات وميادين التغيير والتحرير، نقطة حاسمة في مصلحتها ومصلحة شعاراتها الوطنية الجامعة، ومقدمة لخيار التطور الديموقراطي القادم، في ظل تعددية إجماع فعلي على دمقرطة فعلية، يبدأ الشعب في بنائها من تحت، فلا تُفرض عليه من علٍ، على ما جرى في العراق، حين جرى بناء محاصصاتها على أسس إثنية عرقية وطائفية مذهبية، وبدعم من خارج إقليمي لا مصلحة له في إنماء ديموقراطية فعلية، تعددية، ولا في إنماء نزوع وطني دولتي، يمكن الرهان عليه في صوغ وطنية عراقية صلبة، بينما كان الواقع العراقي يجري إغراقه في ظل تصورات خاطئة، كانت أساس كل الخطايا التي انزلقت إليها تجربة «ديموقراطية الاحتلال» التي لم تكن ديموقراطية، وإن كانت تعددية شكلاً وإشكالاً.
لقد تعمّدت الأنظمة السلطوية مخادعة الذات وخداع الآخرين، حين لجأت إلى اعتماد تعددية حزبية ديكورية، وتعددية برلمانية شكلانية، وتعددية إجتماعية أهلوية، أعيدت خلالها القوى الاجتماعية، كما القاعدة الاجتماعية للنظام الحاكم، إلى صيغ علائقية بدائية وأولية، لا علاقة لبناء دولتي بها، كما لا علاقة لأية صيغ مدنية حداثية بما أرسته السلطة من صيغة تحاكم تسلطية، فرضتها وتفرضها على شعبها، من دون اعتماد أية معايير أو آليات تحاكم متعارف عليها، حتى في النظم الشمولية السابقة على قيام الدولة الحديثة غير الديموقراطية.
كذلك تعمد الشعوب اليوم، وللوصول إلى إنجاز ثوراتها الديموقراطية، إلى انتهاج طرق تغيير سلمية قدر الإمكان، إلاّ في الحالات التي يفرض النظام عنفه الأعمى، في محاولة منه لحرف وتحويل الثورة وصبغها بالدم، استمساكاً منه بالسلطة، ودفاعاً عما اعتبره ويعتبره ملكيته الخاصة، على ما يفعل اليوم نظام القذافي في ليبيا، ونظام علي عبد الله صالح في اليمن، وأنظمة مشابهة أخرى، تتجهّز منذ الآن لإطلاق ثوراتها المضادة عبر أذرعها وأجهزتها الأمنية، في حين نجح التونسيون والمصريون في تقليل خسائرهم إلى أدنى حد أمكن الوصول إليه، قبل الفوز بإسقاط رأسي نظاميهما.
ومهما تكن وسيلة التغيير، تغيير نظام تملكي أو استملاكي مطلق، مارس ما لا يحصى من أساليب وطرائق الاستبداد التسلطي، وتغيير بنى السلطة والمجتمع والدولة، كي تتلاءم ومصالحه الخاصة ومصالح وارثيه من الأبناء وربما الأحفاد، فإن إسقاط نظام كهذا وعبر آليات تثوير افتراضية إلى جانب تلك الواقعية، لا بدّ لها من أن تستند إلى قوى متعددة، أكثر تمثيلية وأوسع من القوى والأحزاب الموجودة، وأكثر تنوعاً وقدرة على تنسيق خطواتها في شكل ديموقراطي، وعبر طرائق جوهرها ديموقراطي كذلك، وصولاً إلى إنجاز ثورة تحرر ديموقراطية، يستعيد عبرها الشعب انتظامه الوطني كشعب، يحقق حريته السياسية، ويمضي نحو بناء تجربة ديموقراطية، تكفل له استعادة بناء الدولة، دولة مدنية حديثة، والمجتمع، مجتمعاً وطنياً طبيعياً متماسكاً، واحداً في تعدد قواه، ومتعدداً في واحديته الوطنية.
إن توق المجتمعات العربية إلى التحرر من قيود وأغلال الأنظمة البوليسية التي دمّرت كل النسيج الوطني، وانحطّت بنماذج السلطة القهرية التي استبعدت وأقصت كل سلطة أخرى، كسلطة القضاء على سبيل المثال، يحتم اليوم، وفي فضاء الثورات الديموقراطية، إعادة اعتبار ملحّة وضرورية إلى سلطة القضاء والقانون، وسلطة المنظمات المدافعة عن الحريات وحقوق الإنسان، إلى جانب إعادة الاعتبار إلى الثقافة المدنية العربية ببعديها الديموقراطي التحرري والإنساني، وذلك كعامل حاسم في إشاعة ثقافة تتجاوز كل مسبّبات النكوص والاستخذاء والزبائنية لبقايا الأنظمة التسلطية والاستبدادية الأبوية، حتى لا يُتاح لها أن تنهض من جديد، لتبني سلطة قهرية جديدة، ولو بعد لأي من الزمن.
إن نماذج الثورات الديموقراطية الجديدة، وهي لمّا تزل طريّة على أي حال، وتواصل بث إشعاعاتها في فضاءات الشعوب والأنظمة، ليست نماذج معيارية، بل هي تختلف من بلد إلى آخر، ومن شعب إلى آخر، وهذا تحديداً ما يكفينا مؤونة المناداة أو الدعوات إلى اتباع نموذج أو آخر، كالنموذج التركي على سبيل المثال الأبرز في أيامنا هذه، في تجاهل تام لتباين «الطبيعة التطورية» الإنسانية، وخبرة بناء مجتمع علماني ديموقراطي هناك، أو التخليفية التي انحكمت لها مجتمعاتنا، وإسهامات السلطة وبعض قوى المجتمع الأوتوقراطية هنا، حيث التضاد والتغاير أكثر من واضح، بين حال المجتمع التركي وقواه وقواعده الاجتماعية والسياسية والطبقية، وحال مجتمعاتنا وسلطاتنا ودولنا التي لم تبلغ سوية الدولة/ الأمة بعد، على رغم عراقة البناء الحضاري والتاريخي الذي شادته مجتمعات ودول الأنهار، كمصر والعراق، ولكن السلطات التي تعاقبت عليهما انحطت بالدولة والمجتمع فيهما إلى مستوى دول بدائية متخلفة. وإذا كان لكل نموذج خصائصه المميزة، ولكل خصيصة فاعلوها البشريون، فمن المؤكد أنه لا يمكن تقليد نموذج ناجح في بلد ما، ومحاولة استعادته أو محاكاته عبر وضعه في قوالب جامدة يمكن القياس بها وعليها؛ ونقلها من بلد إلى آخر. 
* كاتب فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.